آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

تحديات العام 2023: تصنيع التمور «6»

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

يعود تاريخ زراعة التمور في شرق المملكة إلى أكثر من 6000 عام، وقد حذق الأقدمون في زراعتها وفي تصنيع بقايا النخلة والتمرة تصنيعاً بدائياً تقليدياً. والآن، ومع تقدمنا في الصناعة الكيميائية، فلابد من الالتفات للنخلة التفاتة استراتيجية عميقة تحمل معها إزالة أية عوائق أو موانع تحد من تحقيقنا للقوة الاقتصادية التي تتطلع رؤية المملكة 2030 لتحقيقها، فعدد النخيل في المملكة يتجاوز 31 مليون نخلة، ويتجاوز إنتاجها 1,5 مليون طن سنوياً من 8,5 مليون طن تنتج سنوياً «17,7%»، وللمملكة المرتبة الأولى عالمياً من صادرات التمور بقيمة تجاوزت مليار ريال.

وتجدر الإشارة أن ضعف تسويق التمور ظاهرة عالمية؛ فمن بين 8,5 مليون طن تنتج، يسوق منها عالمياً قرابة عشرة بالمائة فقط. وتقليدياً، ستأتيك الإجابة أنه لابد من بذل جهود أكبر لتحسين شبكة التسويق، وكذلك العمل على مواصفات التمور بما يمكن من فرزها ومقارنتها، وبعد ذلك وضع أسس لتسعيرها أو حتى للمنافسة فيما بينها، لاسيما أن عدد أصناف التمور في العالم تتجاوز 450. السؤال: التسويق ليس الخيار الوحيد، بمعنى أن نسوق الأنواع الفاخرة والقابلة للأكل، أما البقية فعلينا أن نستفيد منها بتصنيعها تحويلياً، باعتبار أن التمرةَ لقيم ومُدخَلّ صناعي.

الحديث عن استخدام التمور كمدخل صناعي قديم، والغريب أن تقدمنا في هذا المجال“سلحفائي”. خذ مثلاً الحديث الأزلي حول تصنيع الكحول الطبي من التمور، في حين أننا نستورده من بلدان الدنيا! والنقطة هنا أننا ما دمنا نستورد الكحول الطبي فلماذا لا نصنعه هنا؟ ولماذا نعتمد على الآخرين، وقد يكونوا أعداء مناكفين، لتلبية احتياجاتنا الطبية، إذ أن علينا عبء الاعتماد على ذواتنا ما دام ذلك ممكناً. وفوق هذا، فهناك من المهربين من يجلب للبلاد ليس الكحول غير الطبي فقط بل وحتى الحبوب المخدرة بأعداد هائلة تثبتها نشرات مصلحة الجمارك بين الحين والآخر، فمما نحن متوجسون؟!

لا يجب أبداً تجاوز المنطق الاقتصادي للأشياء، فالاقتصاد - في الأساس - ليس طمعاً وجشعاً وتكالب على الدنيا، بل حسن تدبير الموارد النادرة على تنوعها والسعي لتنميتها وامتلاك أسباب القوة.

نتفق جميعاً أن النخلة وتمرها مورد مهم، وأن الاعتداد بها وما تعنيه لها من إرث حضاري لا يتحقق فقط بمجرد تدبيج الأشعار الحالمة، بل كذلك بأن نوقرّها وعدم هدر ثمارها وعدم إهمالها دون عناية، فكل نخلة تستحق أن يُعتنى بها، فضلاً عن أكثر صور الاعتداد استدامةً هي أن نولد من النخلة وثمارها صناعات كثيرة مفيدة، ومن حسن التدبير أن ننتفع من كل سعفة ومن كل جذع نخلة؛ ومن كل تمرة. ومن يظن أن كل ما ننتجه من تمرّ يؤكل، فظنه في غير محله، إذ يلاحظ أن جلّ ما ينتج من تمر أصناف لا يقبل عليها الآكلون، بل أن نسبة مهمة مما ينتج لا يستفاد منها البتة، حتى يبدو أنه يثمر لكي يُرمى!

وهنا تأتي الفكرة الأساس للاستفادة من الموارد المتاحة، وهي فكرة قديمة ليس فيها من الجدة شيء، لكن يبدو أنها تضيع وسط انشغالاتنا. ولعل الطرح العملي هو ما يسعى صندوق التنمية الزراعية للقيام به منذ زمن، وقد طرح فرصاً استثمارية في قطاع النخيل والتمور منذ سنوات. وبالقطع، يدرك الصندوق أن مبادرة النخيل والتمور لا ترتبط فقط بالمزارعين بل هي بحاجة لتعاون جهات عديدة تنظيمية وبحثية واقتصادية حتى يتسنى لنا رؤية صناعات زراعية تحويلية تستخدم التمر كلقيم. المقترح المحدد هو أن نبين اهتمامنا بالتمرة، وهي كنزٌ من كنوز الكيمياء، بأن تتعاضد جهود المركز الوطني للنخيل المرتبط تنظيمياً بوزير البيئة والمياه والزراعة، وصندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الزراعية لتأسيس الشركة الصناعية لكيمياء التمور، برأس مال ملائم، ففي ذلك تحقيق لمستهدفات صندوق التنمية الوطني من الجانب التنموي، ومستهدفات صندوق الاستثمارات العامة باعتباره استثمار يتمتع بسمات الاستثمار المجدي.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى