كيف تؤثر المحسوبية على الشركات العائلية؟
تشير الأبحاث حول إدارة الموارد البشرية في غالبها للآثار السّلبية التي قد تنبع من انتشار المحسوبية أو الواسطة في الشركات، سواء كان ذلك في اتخاذ القرارات، أو الترقيات، أو المكافآت والمرتبات التي تُعطى، ليس بناءً على الكفاءة، بل القرابة والصداقة، وهو ما يؤدي إلى ظلم على أعضاء الشركة من خارج العائلة، وهذا هو التصور الأوّلي البديهي لأثر المحسوبيات.
لفت نظري بحث اطّلعت عليه مؤخّرا، يدرس أثر المحسوبية على أداء الشركات العائلية، بالتحديد، كيف تؤثر المحسوبيات على العلاقة بين رأس المال الاجتماعي وأداء الشركات العائلية؟ للإجابة على هذا التساؤل، تم إجراء دراسة على 77 شركة عائلية في سويسرا، وقدمت هذه الدراسة - المنشورة في المجلة الدولية لإدارة الموارد البشرية - نتائج غير متوقعة، ومغايرة للمفهوم العام عن المحسوبية وآثارها، فالمفاجأة أن الدراسة تشير لوجود فوائد غير مباشرة للمحسوبية في الشركات العائلية، وعلاقة إيجابية بين تزايد المحسوبيات، واستغلال رأس المال الاجتماعي لتحسين أداء المنظومة وتحقيق مصالحها.
يُقصد برأس المال الاجتماعي، هو ما يمكن جنيه من شبكة العلاقات بين الأفراد أو المنظمات أو الجماعات، ووجود رأس المال الاجتماعي، لا يعني بالضرورة تحقيق مكاسب للمنظومة، فتحقيق المكاسب والفوائد، مرهون باستغلال وتوظيف رأس المال الاجتماعي بفعالية، لتحسين الأداء، وهذا ما تشير الدراسة لتزايد احتمالية تحقيقه مع زيادة المحسوبيات.
تشير الدراسة إلى أن وجود المحسوبيات في الشركات العائلية، قد يؤدي لتقوية العلاقة الإيجابية بين رأس المال الاجتماعي وأداء الشركات العائلية، وذلك لأن هذه الشركات - وخصوصا التي تتبنى المحسوبيات بوضوح - تستغل الموارد النابعة من رأس المال الاجتماعي لمصلحة الشركة بشكل أكبر، وتستفيد من شبكة العلاقات في جلب فرص استثمارية، وتقوية العلاقات مع أصحاب المصلحة المختلفين، وهذه الشركات تعطي سُلطة كبيرة للإداريين من أفراد العائلة، والذين تتطابق أهدافهم مع أهداف الشركة، وتتلاقى مصالحهم.
الأبحاث تُبيّن أن رأس المال الاجتماعي مرتبط بقوة بأداء الشركات العائلية، أكثر من ارتباطه بالشركات غير العائلية، ولكن أسباب ذلك لم تُدرس بشكل كافي حتى الآن، ونتائج هذا البحث بالتحديد، تشير إلى أنه وبالرغم من الآثار السلبية المحتملة للمحسوبيات، إلا أنها من الممكن أن تعود بالنفع، عبر تقوية أثر رأس المال الاجتماعي للشركة على الأداء العام للشركة.
لا تستطيع الشركات العائلية في الغالب المجاهرة بالمحسوبية في الصفقات والتعيينات والترقيات وغيرها، ولكن غايتها الأساس هو نقل إدارة الشركة للجيل التالي، وهو ما يدفعها للجوء لذلك، وبالتالي قد يُوقع ذلك مدراء الموارد البشرية في حرج إثر تعارض المحسوبية مع الممارسات والأنظمة العامة، لذلك يجب أن يتحلى أفراد العوائل التجارية من الجيل الجديد بالكفاءة والمهارات المطلوبة قبل كل شيء.
ختاما، هذه الدراسة تم إجراؤها على عدد محدود من الشركات العائلية السويسرية، مما قد يؤثر على إمكانية تعميم النتائج، فهل ينطبق أثر المحسوبيات الإيجابي هذا على الشركات العائلية السعودية أيضا؟ وهل بالإمكان التغاضي عن الآثار السلبية الكثيرة لأجل هذه الأثر؟ ولماذا قد تعود المحسوبية بالنفع في الشركات العائلية دون غيرها؟!