بُسرة أم تٌمرة؟
تعرف ”البُسرة“ بضم الباء، شكلاً ومظهرًا، بالنبتة أول ظهورها، وقبل بلوغها مرحلة النضج التام، وعادة لا يُستساغ أكلها؛ ولا يُستلطف شكلها؛ فلا طعم لمضغ مذاقها المُر يُذكر؛ ولا حلاوة تزكي صلابة نسيجها الجاف؛ ولا لون مُتناسق يزين قامتها الظاهرة؛ لتجذب همة الناظر إلى قطفها، والاستمتاع الزاكي بتناولها…
أما ”التمرة“ فهي الثمرة الناضجة اليانعة، المعروفة بشكلها البهي الندي، وطعمها الحلو الريّان؛ وقد غنمنا نتاج ريعها، جيلاً بعد جيلٍ، هدية سخية، وتحفة نازلة، ومِنحة مدللة، من جود وسماحة كرم ”عمتنا“ النخلة الباسقة، لقاطني شبه الجزيرة العربية، منذ سالف الأزمان… فكما أن الجمل عُرف ”بسفينة الصحراء“ بجدارة معروفة، وكفاءة مشهودة؛ لطول أناة صبره؛ وتجشمه مشاق السفر؛ وتحمله شدة العطش؛ وسلاسة سَيره الآمن فوق الرمال الذهبية! …
وهنا، يحلو لي، بتواضع رزين، وخضوع متفائل، عرض وجهي المقارنة والتشابه؛ وإتمام تفحص مدروس مواكب لأطراف التنافر والاختلاف، بأريحية ذاتية، لمرحلتي نمو البسرة والتمرة معًا؛ وبعدها، وأقف مُسلمًا مُتأملاً، وِقفة إجلال وإكبار وعِرفان، أمام استقامة ووسامة جذع النخلة الشامخ؛ وأكبر لِحاظ بريق طلعها النضيد؛ وأعظم شعاع هَالتها الآسر؛
وأسدي واجب الثناء الوفير؛ وأبارك جُود العطاء العميم؛ لجزيل ريع هباتها المغدِقة، وكريم عطاياها الجمة؛ ويكفينا، تفضلاً وإنعامًا، وفاؤها السخي المُجزي: مِنحة جمالها الأخاذ، ورِفد ظلالها الظليل، وعطاء أشلائها الوفير؛ ولن أتوانى برهة، بأن ألقبها، بفخر واعتزاز، ”بسلطانة الأمن الغذائي الفاخر“ أينما حللت تطوافًا، وأنّى ضربت بأطنابي الثابتة سَكنًا!.
وعودًا حميدًا إلى طعم البسرة الفجة المر، فقد اخترتها، بعناية عارفة؛ وأحطتها بدراية ضافية، دون تكلف أو تصلف؛ لتتبوأ وتتصدر، بكامل أيقونتها النمطية المُميزة، صَهوة سنام كلماتي المتواضعة، وكديدن عادتي المتبع، في تحرير وتصدير سطور خواطرى الوجدانية الهائمة، أتوق إلى الوثب الواعي المتئد برشاقة ولياقة؛ لأشطح بعيدًا؛ وأسرح وأمرح وأتأمل، بعمق وتدبر، طيف أصداء المعاني الحفية الخفية؛ وأستضيف برفق وتؤدة، منظومة صور الدلالات الرمزية البعيدة، لجوهر المفردات الداجنة الراهنة، إلى شفا سُقيا منابع مُترعة.
وأنطلق مُتأنيًا مُتمطيًا لارتياد واصطياد الكمين والدفين، فيما وراء المعنى المُعجمي القريب، بعمق امتداد عنان الأفق المتسع؛ وأخطو واثقًا، بمغامرة عارفة؛ وأمازج بجرأة حَصيفة، خاصيتي ”الشكل والطعم“ التوأمين الملازمين للبسرة ”الخديج“؛ وأزاوج ما بينهما، بما تشابه من وشائج وروابط ”عضوية“ بنائية متداخلة؛ وأتناول المعنى الخفي المُستتر في جوف غمده الآمن، مُجددًا، بمِسبر عمق صائب، ومِجس بُعد نظر ثاقب؛ وأكسبه، بَعد المداولة والتمحيص، أيقونة دلالية تصويرية قشيبة؛ وأمنحه تحورًا انتقاليًا واسعًا جديدًا، ثم أتوجه، ظافرًا كاسبًا، بتورية قائمة حاضرة مُيسٌّرة؛ تحظى جميع بنود مراحل تحوراتها اللحظية المتتالية، بموضع التدبر المترزن؛ وتنال مقام التأمل المستبصر؛ ويندى طيف أيقوناتها الوليد النضر، من جانبه البكر، بالاستحضار الحسي النشط؛ وتدعى سطوع ألوانه المتباينة البهية، تباعًا إلى مسار تنقية الانتخال، وتُصار إلى تقنية الغربلة المُعجمية المسكوكة توًا، في قمم صِهاء مَجاس الحواس المرهفة، بخلاف خَلِقة التكوين ”البيولوجي“ المحض للبسرة... لألبسها بتصرف يقظ، وأكسيها باصطبار حذر، معنى إضافيًا لائقًا، غير سِمة عدم اكتمال النضج الملموسة المحسوسة؛ للاقتراب الصائب من درجة اصطياد ”التمويه“ الدلالي المنشود؛ لتأخذ لفظة المفردة الشاطحة الناضحة ذاتها، بأصالة ورصانة، دُنوًا وقربًا ”افتراضيًا“، بأسمى وأبعد وأعمق من انفرادها الداني بمعنى مُعجمي أحادي جامد، كثمرة فجة، غير ناضجة…
ولعلي هنا، أقترب رويدًا، وأقرع باستئذان مُتأدب ظهر دفتي مَتن مُعجم ”لغة الضاد“ الشامل؛ وأقلّب صفحاته المضيئة؛ وألتمس استصدار رقاع تصريح إذن موثق؛ لتوطين وتسكين وتمكين ضيافة موارد المعنى اللفظي الوافدة الرافدة، بوحي دلالي ابتكارى مصور للبسرة والتمرة معًا؛ لأودعهما، بلطف وخِفة، في جوف بوتقة واحدة؛ ثم أسقطهما بطواعية اختيارية اعتبارية، تحت عدسة مجهر فاحص، بكامل زخم ”زوم“ تورياتهما الدلالية التخيلية البعيدة، على مُجمل طي سلة سلوكياتنا الشاملة، وداخل إطار منظومة تصرفاتنا اليومية الراهنة... وتوسعًا: أتفحص المعنيين البعيدين الجديدين للبسرة والتمرة؛ وأضعهما، برفق وتروٍ، في كفة ميزان بالغ الدقة تباعًا؛ لأزن ”الكتلة النوعية“ الكامنة؛ وٱحقن المادة الدوائية المخدرة في عمق منابت ”قوادم“ تورياتهما الوليدة الندية، وأرتقب سريان مفعول مضاداتهما الحيوية النشط، بعد حين، بُعيد الاصطياد الحاذق، والتدجين اللبق... لتعني لفظة بسرة مجازًا: مختلف أنماط سلوكياتنا المتعجرفة والخاطئة والذميمة؛ ولفظة التمرة، المنظورة المتجسدة فى لَفيفة قِطمِير كبسولة نواتها الصلبة، تعني استحقاقًا: مَناحي الاستقامة، وسُبل الاعتدال، وطرق التزام النهج السلوكي القويم… وأضعهما لاحقًا، بسكينة وطُمأنينة، ”البسرة والتمرة“ كلتيهما، في كفة الميزان المخبري الرقمي الحساس، بما تحوي مُكوناتهما الحُبلى المكنونة الموزونة مُسبقًا؛ لتمثل وتضم في ثنايا مدلولاتهما المستحضرة الجديدة، أنماطًا وأصنافًا متباينة، من زخم السلوكيات اليومية المتداولة والسائدة في أوساط المجتمع؛ فالبسرة، في قالبها الدلالي الجديد تحمل سِمات دلالية مذمومة، لا صلاح لانتهاجها، ولا استقامة لسلوكها: كالتعصب، والتذمر، والغيبة، والشِّقاق، والظلم، والتطاول…
وفي الوزنة التالية أمثلها بالتمرة؛ وأستخرج من عُمق جوفها الآمن، الحُلو المذاق، أنقى قوائم السلوكيات المتآزرة السمحة السوية: كإفشاء السلام، والأُلفة، والتراحم والوحدة، واحترام الآخرين، والصدق في القول والعمل…
ولن أكتفي، في رِحاب جانب رَدهة مختبر الفحص المخبري المتواضع، بعد اكتمال مهام التشريح الخلوي، وإنجاز فنيات الفحص المجهري، بإصدار وإقرار حكم مُنفرد متسرع طائش؛ يجاهر بالاتهام الصارخ المباشر؛ ويلوّح بالإدانة القضائية العلنية، بسلوك مَشين فاضح للفظة البسرة المرة الخاسرة، جَهرَة وعِيانًا وتسلية..
بل سأدعو، بشفافية ناهضة، صفوفًا متقدمة من صَفوة الحُكماء العُدُول المعاصرين: قضاة من الشريعة الإسلامية الغراء؛ ومثلهم، صفًا نشطًا يقظًا من عُشاق أبجديات الفطرة السليمة الوضاءة، بعُدَدِ مناظيرهم الأممية المعاصرة، وجمعًا حاضرًا شاهدًا من مؤيدي ومنظري قوائم الأحكام العقلانية القويمة، التي تحترم، وتبجل، وتسمو بإنسانية الإنسان، قلبًا وقالبًا؛ ثم أرتقب، عن كثب، إصدار وإمطار وثيقة حكم قضائية ختامية عادلة، ذات إدانة عريضة واسعة، لوزنة البسرة المخذولة الخاسرة…
بعد تلاوة بنود ديباجتها ”التجريمية“ علانية؛ عندئذٍ أدعو مخلصًا إلى استحضار ومراجعة كافة محتوى قوائم تلك السلوكيات السقيمة المتداولة، الفردية منها والجماعية، بكامل قتامة مناظيرها الغابشة، وجُل شدة انكسار عدساتها المبصرة المشوشة، واستدعاء سجل شكاوى انفصال جوهر شبكياتها الكلّي، المشوِِّه لنضارة ووجاهة المجتمع، برمته؛ لأندد وأشهّر مرارًا، على مرأى ومسمع لفيف الملأ المتجمهر في سُوح المدينة الواسعة، بشواهد الإدانة البغيضة المكتظة برُكام رواسب ومخلفات المغبة اللاهية الساعية إلى تعكير صفو سماحة ديننا الإسلامي السامية، وغرس بذور الدسيسة المقيتة؛ لتقويض وتفتيت مقومات سعادة حياتنا الراهنة المُعاشة؛ وتجريد سلاحنا الدفاعي الحاد الصقيل، غِيلة وعُنوة؛ حتى لا نتمكن ولا نتحصن، بوعي وإدراك، من إزاحة أقنعة التستر؛ وإماطة أساليب التجاهل؛ وكسر أطواق التمادي؛ وإغلاق مداخل الغفلة؛ ومُجافاة أنواع الانغماس الشهواني المنبوذ؛ ووأد روافد الإفلاس الفكري المذموم، غير المسؤول، بطول حبل سلسلة صَدِأة، ممتدة في قاع مَغبة ما قبّحت سِيرته من الملذات الشائنة، وما شابت عاقبته من الشهوات المريبة؛ وأقايض حطام إفرازات تلك المهالك السَُمِية بالتزام بنود عهود ميثاق الكف العارف الصارم، عن إتيان واجترار فعلها المُردي، عند مطلع كل شمس؛ حتى لا تستشري آثارها التشويهية النتنة؛ وتتحور مٱتيها ”الفيروسية“ الشائنة إلى كابوس ”مُتلازمة“ مَرَضية سلوكية مُزمنة، تنخر بحرية مطلقة في عمق مفاصل وسُلاميات تماسك المجتمع، قاطبة؛ وتحطم بصيص نسائم شيوع أركان سعادته ”المسلوبة“ … وعلى قمم صَهوة أكتاف التوجهات الواعية الرصينة؛ وفوق سواعد مُتون العزائم الصادقة الجبارة، ننجح بامتياز، بإذن الله تعالى.
في ابتكار واستصدار علاج ناجع شامل، يداوي كامل أوجاع أطياف العلل الاجتماعية المستشرية؛ ويشفي جُلٌّ آلاَم أنماط الانحرافات السلوكية المستعصية، قبل فوات الأوان!
هذا، وعلى مِنوال جادة المستوى الأسري الراهنة، في أوج صولة عصر العولمة المدجنة، دعونا نستظهر حديثًا شريفًا لنبينا الأكرم محمد بن عبدالله - عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأتم التسليم - ونتولى مقاصد فحواه الثاقبة الصائبة، ببالغ الفهم الدلالي السديد البعيد: «بيت لا تمرَ فيه جِياع أهله»؛ لنتأمل ونتدير سويًا فيما وراء ألم الجوع البيولوجي المحسوس، ونستبدله بفيض وافر غامر من أنقى وأسمى وأنمى أنماط السلوكيات الاجتماعية القويمة: كالتراحم، والتآخي، والاحترام، والتعاون، والمعاملة الحسنة، والتكافل الاجتماعي المحمود...
والأجدر بنا جميعًا، أن نسد عرض أحاسيس عضة الجوع المُوجعة؛ ونستنقذ لحظة شتات الضياع المَهينة؛ ونستثمر وطأة أوقات التيه الصاغرة؛ ونستنفذ ضائقة ما علق عبثًا، في ثنايا قِمم جِعاب عزائمنا المنتفضة، ضْيقًا وغْيضًا، ونفجرها تصحيحًا وإصلاحًا، بفيوض مساعٍ حثيثة جادة؛ لمواجهة وشيكة قريبة، وهزيمة حاسمة مُنتظرة؛ لإعمار وابتناء ما أفسده نزق الغفلة، وترميم ما شوّهه طيش الحماقة… بجهود جماعية دؤوبة عارمة؛ ونستنفر، بنشوة ناهضة عازمة؛ ونتقدم بنفرة صادقة صارمة، بأصالة وشهامة؛ لوأد وردم واستئصال بِرك مُستنقع الخذلان المتواطئة الآسنة…
بفائق باقات فهم دلالي استشرافي واسعة؛ لاجتثاث واستئصال رِزم سِلال التصرفات المستهلكة السيئة، من جذورها الفاسدة الخبيثة؛ وتفريغ بطون أكداس الأسفاط السلوكية الخاطئة المَشينة، من مُحتواها النتن العفِن، ببالغ أريحية، وعظيم اجتهاد؛ واستبدالها طواعية بأحسنَ وأزكى منها، مبادرة واستحقاقًا، جادين ومتطلعين إلى انتهاج واحتضان منظومات سامية مُنتقاة من أسمى طوائف ”أفواج“ قشيبة متزاحمة، من لُباب فُيوض السلوكيات الإيمانية العقلانية القويمة، المنحدرة صفاءً من كُنه صميم منابعها الحكيمة الرصينة، والنابعة نقاءً، من عُقر مآتيها الإسلامية الصافية؛ لتصب بزهو روافدها المتدفقة الهادرة، بجود سَخاء دائم، ونماء عطاء مُلزم، في مُتسع ظِلال إشراق صحوة شاملة عارمة، بعد انحسار وانجلاء ظلمة عتمات غفلة ساهية لاهية؛ لنشدو ونبدو بفتوة وقوة أصالتنا المشهودة، للشاهِد العِيان؛ ونغدو رافلين منعٌّمين بالتعافي الشامل المرتقب، أعزاء نُبلاء مكرمين، بالوصف القرآني الصادق، ”كنتم خير أمة أخرجت للناس…“، ونؤوب، بكمال رشاقتنا وتمام نقائنا، مظفرين منتصرين، من جديد، إلى عرين ديمومة القبض المسدد بالكف والمعصم؛ ونغنم مجددًا، بصيرورة لهفة العض الواعي بأضراس النواجذ، على إطار مِقود دِفاف توجيه ذلك المسلك السديد المشهود، كما كنا.