آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 8:39 م

الشك وسوء الظن ينزل سخط الرب

جهاد هاشم الهاشم

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ. [الحجرات الآبة 12].

عزيزي القارئ إن من آفات النفس الخطيرة التي هدمت كثيرًا من البيوت، وشتت شمل كثير من الأسر، وفرَّقَت بين الأزواج، ونقضَت عُرى المودة والمحبة فيما بينهم هو الشك!

نعم إنه الشك وسوء الظن وهو من الرذائل الأخلاقية الشنيعة التي تُسبب إثارة النعرات والفتن وتمزق علاقة الفرد مع كل من حوله ومجتمعه، فسوء الظن يهدم استقرار العائلات ويجعل الثقة معدومة بين الناس والأصدقاء والزملاء. وهذا بدوره يجر تبعات سلبية كثيرة، فيصبح التعاون بين الأشخاص ضربًا من الخيال، وينعدم التفاعل والانسجام بين أفراد المجتمع، ويُحدث شرخًا كبيرًا في المفاهيم الإنسانية، فسوء الظن يزرع في النفس الريبة والشك، ويسرق الراحة من نفس صاحبه، إذ أن الشخص الذي يتصف بهكذا سلوك ينعدم شعور الراحة لديه تماما، ويشعر أن الجميع يُخططون للإيقاع به. لهذا يجب على الإنسان أن يتبيّن جيدًا قبل أن يُسيء الظن بالآخرين سواء من موقف أو من كلمة، فهذا الفعل ينطلق كالنار في الهشيم.

إن سوء الظن، والشكوك السيئة، والتي لا تأتي بخير ولا تؤدي إلى خير بل على العكس من ذلك؛ تجلب التباغض والتنافر والتباعد والحقد والحسد والظلم بين الأشخاص في محيط المجتمع الواحد. ويعتبر سوء الظن من أسوأ ما قد يتصف به الإنسان ويوجب سخط الرب. فلقد نهانا الله - سبحانه وتعالى - عن سوء الظن واعتبره من الأخلاق المذمومة قال تعالى: ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا. «سورة الفتح الآية 6».

كما أن رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم نهانا عن الظن السيئ بالآخرين بقوله: ”إياكم والظن، فإن الظن أكذب الكذب وكونوا إخوانا في الله كما أمركم الله ولا تتنافروا ولا تجسسوا ولا تتفاحشوا ولا يغتب بعضكم بعضا ولا تتنازعوا ولا تتباغضوا ولا تتدابروا ولا تتحاسدوا فإن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب اليابس“. إذا فهو من أسوأ أمراض القلوب؛ لأن صاحبه يجزم بما في نفسه حتى وإن لم يصل إلى درجة اليقين.

فلنحرص على صلاح مجتمعاتنا ولنتجنب سوء الظن ببعضنا حتى نحافظ على علاقاتنا الإنسانية سليمة معافاة من كل شوائب الأخلاق السيئة المذمومة. فمسيء الظن يعاني من أمراض عديدة منها الغيرة والحسد والبغضاء والكراهية، كما أنه بظنه السيء يوقع نفسه في الحرام والشبهات! فينظر إليه الآخرون نظرة ازدراء لسوء ظنه فهو لا يراعي الآداب والأخلاق الإسلامية التي دعانا إليها ديننا الحنيف. بل والأعظم من ذلك ونتيجة لهذا المشين من الفعل؛ فقد ينجر الإنسان إلى عدم الثقة بالخالق تبارك وتعالى - والعياذ بالله - فيظن بالله سوءً بدلاً من أن يحسن الظن بخالقه ورازقه. فيصبح ويمسي ظاناً أن الله لن يغفر له خطاياه أو لن يعطيه أو يرزقه ولن يعينه في حياته وما إلى ذلك من الظنون السيئة التي فيها تعدي على ذاته - جل جلاله - وبهذا يتحقق الوقوع في الرذيلة والمعصية الكبرى أجارنا الله وإياكم. وبعدها يقحم ذلك الشخص نفسه في طريق معتم مظلم مخيف لانور فيه ولا راحة بال على الإطلاق. ويجب أن نعلم أن هذا الطريق يؤدي إلى

الحزن ويضعف القلب، ويوهن العزم ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، لذلك دعونا نفرح ونستبشر ونتفاءل ونحسن الظن بالله أولا وآخرا، ثم بعد ذلك نقلع عن تلك الأمراض المستعصية التي هي من فعل الشيطان، والتي أصابت قلوبنا ولوثت نوايانا وخدشت سلامة مشاعرنا. ولن يتسنى لنا هذا إلا بالتوكل المطلق على الله بالدعاء واللجوء إليه - تبارك وتعالى - والأخذ بالأسباب ويتجسد هذا بالنية الصادقة والقلب السليم والإكثار من الأذكار والاستغفار لما لذلك من أثر إيجابي على وجدان العبد وتطهير قلبه من عوالق ماتراكم من سواد نتيجة لإرث كبير من الظنون والشكوك التي ابتُلى بها وبدون مسوغ عقلاني على الإطلاق.

لذا يجدر بالمؤمن الابتعاد عن كل مايلوث ضميره وقيمه الإنسانية وفطرته السليمة واستشعار عِظم ذلك الخطأ وقبحه، مع استشعار ما يترتّب عليه من العقوبة، وعدم تحمّله لها فلا مناص من نفض غبار ذلك المقيت من الفعل والعودة إلى الخالق بنية يملؤها الصدق والإخلاص وطرد وساوس الشيطان اللعين من أنفسنا وصدورنا. وهذه الصفات التي تليق بالمؤمنين ولنكن على يقين راسخ أن الله مع العبد متى ما فوض كل أموره له جل في علاه قال تعالى: ﴿فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. سورة يونس «الآية 85».