نسمع ما نتوقع أن نسمعه
08 يناير 2021
المترجم : عدنان أحمد الحاجي
المقالة : رقم 12 لسنة 2020
WE HEAR WHAT WE EXPECT TO HEAR
Jan 08,2021
مقدمة المهندس حسن سلمان الحاجي
من ألاعيب دماغ الانسان أن لديه وظيفة لفلترة المعلومات الواردة من الحواس، وذلك من أجل توفير الطاقة، فأكثر عضو في جسم الإنسان يستهلك طاقة هو الدماغ. فالبرغم من أنه يزن حوالي 2٪ من كتلة الجسم إلاّ أنه يستهلك تقريباً 20٪ من طاقة التي يستهلكها جسم الإنسان، ولكي يقلل الدماغ من استهلاك الطاقة يستخدم الدماغ وظيفة الفلترة والتي تتطلب وجود أنماط ذهنية مسبقاً، هذه الأنماط الذهنية يشكلها الدماغ مع مرور الزمن، ولذلك نجد كلما تقدم الانسان في العمر كلما قلت دهشته من الأشياء والحوادث التي حوله، لأن لديه انماط ذهنية تتنبأ بما يحدث فيقوم بفلترة كل ما هو متعود عليه، بينما ذهنية الطفل لا تزال غضة طرية تندهش من كل شيء، لعدم وجود هذه الأنماط الذهنية التي تقوم بفلترة المعلومات، فدماغ الطفل مرن ونشط جداً في تشبيك العصبونات كي يخلق أنماطاً ذهنية تمثل العالم الخارجي بالنسبة له، فهو جديد على هذا العالم الضخم، وهنا يبدأ الدماغ في عملية مزدوجة مع العالم المحسوس، فالدماغ يشكل صورة عن العالم الخارجي عبر الحواس الخمس، والعالم الخارجي يقوم بتشكيل تركيبة الدماغ، تستمر هذه العملية حتى يصل الدماغ إلى حالة شبه مستقرة عندما تتحول الحياة إلى شبه رتيبة متكررة حوادثها وتجاربها، هنا يقوم الدماغ بفلترة المعلومات الواردة من الحواس بناءاً على ما تشكل عليه، فالانسان يكسب معلومات جديدة ويخزنها في دماغه من خلال هذه التشكيلات والأنماط المبرمجة عبر مرور الزمن والتجارب الحياتية.
من هنا يحتاج الانسان إلى التغيير في أسلوب حياته حتى لا تنطفيء شمعة الاندهاش في دماغه، ولا يكون يومه كأمسه فيسمع ما يتوقع ويشاهد ما يتنبأ به.
يأتي هذا البحث العلمي المميز في تأكيد هذه الظاهرة الدماغية عبر سبر غور الدماغ واكتشاف الجهات الفسيولوجية المسؤولة عن القيام بهذه الوظيفة وكيفية أدائها.
البحث المترجم
يوضح باحثو علم الأعصاب بجامعة دريسدن أن السبيل السمعي بأكمله يمثل الأصوات وفقًا للتوقعات المسبقة. نشرت النتائج التي توصلوا إليها في المجلة العلمية الشهيرة eLife.
يعتمد الناس على حواسهم لإدراك العالم من حولهم وأنفسهم وبعضهم البعض. على الرغم من أن الحواس هي النافذة الوحيدة على العالم الخارجي، نادرًا ما يتساءل الناس عن مدى صدق هذه الحواس في تمثيل الواقع المادي الخارجي. خلال العشرين عامًا الماضية، كشفت أبحاث علم الأعصاب أن القشرة المخية تفضي باستمرار إلى تنبؤات بشأن ما سيحدث تاليًا، وأن الخلايا العصبية المسؤولة عن المعالجة الحسية «التكامل الحسي» تشفر فقط الفرق بين تنبؤاتنا وبين الواقع الفعلي.
قدم فريق من علماء الأعصاب في جامعة دريسدن التقنية TU Dresden برئاسة البروفسورة كاثرينا ڤون كريغشتاين Katharina von Kriegstein نتائج جديدة تُظهر أنه ليست فقط القشرة المخية، بل السبيل السمعي auditory pathway بأكمله، يمثل الأصوات وفقًا للتوقعات المسبقة.
نظر محوري للدماغ «من الأعلى» بما في ذلك الأكيمة السفلية inferior colliculus والجسم الركبي الإنسي. يمثل اللون مدى ملاءمة البيانات للفرضيات[1] » أن الدماغ يشفر المعلومات وفقًا للتوقعات «أحمر» أو [2] » أن الدماغ يشفر المعلومات وفقًا لخصائص المنبهات «الأزرق».
استخدم الفريق في دراسته التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي «fMRI» لقياس استجابات أدمغة 19 مشاركًا أثناء استماعهم لتسلسل من الأصوات. طُلب من المشاركين معرفة أي صوت من الأصوات في هذا التسلسل انحرف عن الأصوات الأخرى. بعد ذلك، تم التلاعب بتوقعات المشاركين بحيث اصبح من شأنهم أن يتوقعوا الصوت المنحرف في مواضع معينة من تسلسل الأصوات. قام باحثو علم الأعصاب بفحص الاستجابات المنتزعة من الأصوات المنحرفة في نواتين رئيسيتين من نوى السبيل تحت القشري subcort8cal pathwayالمسؤولتين عن المعالجة السمعية: الأكيمة السفلية inferior colliulus والجسم الركبي الإنسي medial geniculate body على الرغم من أن المشاركين تعرفوا على الانحراف بشكل أسرع عندما تم وضعه في المواضع التي توقعوها، إلا أن النواتين تحت القشرية قامتا بترميز الأصوات فقط عندما تم وضعها في مواضع غير متوقعة.
يمكن تفسير هذه النتائج بشكل أفضل في سياق الترميز التنبؤي[1] ، وهي نظرية عامة للمعالجة الحسية «التكامل الحسي» تصف الإدراك بأنه عملية اختبار الفرضية. يفترض الترميز التنبؤي أن الدماغ يستحدث باستمرار تنبؤات بشأن شكل العالم المادي وصوته وملمسه ورائحته في اللحظة التالية، وأن الخلايا العصبية المسؤولة عن معالجة حواسنا توفر الموارد من خلال تمثيل الاختلافات بين هذه التنبؤات والعالم المادي الفعلي.
الدكتور ألياندرو تاباس Alejandro Tabas، المؤلف الأول للورقة[2] ، صرح بالتالي بخصوص النتائج: ”إن معتقداتنا الشخصية «الذاتية» بشأن العالم المادي لها دور حاسم في كيف ندرك الواقع. وقد أظهرت عقود من البحوث في علم الأعصاب بالفعل أن القشرة المخية، وهي جزء الدماغ الأكثر تطورًا في البشر والقردة، تقوم بمسح العالم الحسي ومقارنة هذه المعتقدات مع المعلومات الحسية الفعلية. وقد أظهرنا الآن أن هذه العملية تهيمن أيضًا على الأجزاء الأكثر بدائية والباقية كما هي بلا تغيير عبر مراحل التطور «لم تتطور» في الدماغ. كل ما ندركه قد يكون متأثرًا بشدة بمعتقداتنا الشخصية عن العالم المادي“.
تفتح هذه النتائج الجديدة طرقًا جديدة لباحثي علم الأعصاب الذين يدرسون المعالجة الحسية «التكامل الحسي» لدى البشر نحو السبل تحت القشرية. ربما بسبب الاعتقاد المسلم به بأن النزعة الذاتية «عدم الموضوعية subjectivity» هي بطبيعتها بشرية، وحقيقة أن القشرة المخية هي نقطة الانفصال «التشعب» الرئيسية بين أدمغة الإنسان وأدمغة الثدييات الأخرى، لم يتم إيلاء اهتمام يذكر من قبل للدور الذي يمكن أن يكون للمعتقدات الذاتية «الشخصية / غير الموضوعية subjective» على التمثيلات الحسية تحت القشرية.
نظرًا لأهمية التنبؤات في الحياة اليومية العادية، يمكن أن تكون تداعيات عميقة على الإدراك للخلل في كيف تُنقل التنبؤات إلى السبيل تحت القشري. عسر القراءة النمائي [3] ، وهو الاضطراب الأكثر انتشارًا من اضطرابات التعلم، قد رُبط باستجابات معدّلة altered في السبيل السمعي تحت القشري والصعوبات في استغلال اتساق المنبه «المسترعي للانتباه» في الإدراك السمعي. يمكن أن توفر النتائج الجديدة تفسيرًا موحدًا لسبب وجود صعوبات في إدراك الكلام[4] لدى الأفراد المصابين بعُسر القراءة، وتزويد علماء الأعصاب السريريين بمجموعة جديدة من الفرضيات حول أصل الاضطرابات العصبية الأخرى المتعلقة بالمعالجة الحسية.