التنافس للوصول إلى البيت الأبيض
قبل ثمانية أسابيع من هذا التاريخ، وتحديداً في السادس عشر من يونيو/حزيران، نشرنا مقالاً في هذه الصحيفة، حمل عنوان «الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. قراءة أولية»، ناقشنا فيه اهتمامات الناخب الأمريكي، وأشرنا إلى أن الناس خارج دائرة النخب السياسية، لا يهتمون بالسياسة الخارجية، وأن ما يهمهم هو القضايا التي تؤثر في معاشهم وحياتهم اليومية. وفصلنا في البرامج الانتخابية المألوفة للحزبين الذين تداولا على السلطة في الولايات المتحدة في العصر الحديث.
أشرنا في هذا السياق إلى أن ما يحكم الناخب الأمريكي، ونتائج الانتخابات هو مستوى التضخم والكساد، وأن ذلك هو العنصر الحاسم في استمرارية تداول السلطة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري. إن الأوضاع الحالية الناتجة عن تحول كورونا إلى وباء، واستفحاله في الولايات المتحدة قد خلق أزمة اقتصادية حادة، تسبب فيها من وجهة عدد كبير من المحللين عدم قدرة الرئيس ترامب على اجتراح سياسة ناجحة في احتواء الوباء، بحيث أدت إلى احتلال أمريكا للمركز العالمي الأول في الإصابات بالوباء، وفي عدد المتوفين بسببه.
حتى هذا الوقت، تجاوز عدد المصابين بالوباء أكثر من خمسة ملايين وخمسمئة ألف، وعدد من توفوا مئة وثمانين ألفاً. وإذا استمرت الأوضاع على حالها حتى موعد الانتخابات، فإنه من غير المستبعد أن يصل عدد المصابين بالوباء في أمريكا إلى عشرة ملايين فرد، وأن يتجاوز عدد المتوفين ربع مليون إنسان.
وإذا أضفنا إلى ذلك، ما تسبب فيه الوباء، من كساد اقتصادي كبير، نتيجة تعطل المصالح الحكومية، والصناعات الحيوية لتسيير الماكينة الاقتصادية، وطرد ملايين الناس من وظائفهم، وتضاعف أعداد العاطلين عن العمل، فإن ذلك يمثل عائقاً كبيراً أمام احتمالات فوز ترامب بدورة رئاسية ثانية.
علاوة على ذلك، سيكون بيد المنافس الديمقراطي، بايدن، ما جرى من احتجاجات وأعمال عنف متكررة، في عدة مدن أمريكية، نتيجة سوء إدارة الرئيس الأمريكي لحوادث اتسمت بالعنصرية، وغابت في معالجتها، الموضوعية والقدرة على الاحتواء.
وعلى الصعيد السياسي الخارجي، وهو موضوع يقتصر الاهتمام به على النخب السياسية الأمريكية الفاعلة، لم يسجل ترامب أي اختراق حقيقي، في هذا المجال. فشل في تقويض طموحات كوريا الشمالية في حيازة السلاح النووي، كما عجز عن إقناع إيران بالتفاوض من أجل تعديل الاتفاق النووي. وفي الأيام الأخيرة، وُوجه بصدمة كبيرة في مجلس الأمن الدولي، حين رفض أعضاؤه بالإجماع بما فيهم الحلفاء، باستثناء صوت واحد استصدار قرار يجيز له منع تزويد إيران بالسلاح.
يلجأ ترامب لمعالجة خيباته السياسية بالتركيز على الصين، وتطبيق «تيك توك»، ويعطي مهلة للصين يحجب بعدها التطبيق في أمريكا، إلا إذا اشترته شركة أمريكية، يقترح أن تكون «مايكروسوفت»، لكن فرض ذلك سيصطدم بمواقف صينية صلبة، قد يكون من نتائجها تعريض المصالح الأمريكية في الصين للخطر. والواقع أن الصين بدأت تلوح بإمكانية التخلي عن منتجات شركة «أبل» فوق أراضيها، بما يعني نكسة اقتصادية كبيرة لواحدة من أقوى الشركات الأمريكية.
الديمقراطيون من جانبهم، تصرفوا بذكاء يحسب لهم، في هذه الحملة. فقد اختاروا أن يكون مرشحهم في هذه الحملة، جو بايدن، وهو شخص محسوب على اليمين، بحيث يمكن وصفه بأنه جمهوري ضمن الحزب الديمقراطي. إن مواقف بايدن السياسية هي أقرب لمواقف المحافظين الجدد. فهو مع الفوضى الخلاقة، وتفتيت البلدان العربية. وقد سبق له أن تقدم في العقد الماضي بمشروع تقسيم للعراق، أثناء عضويته في الكونجرس الأمريكي. وتبنى الكونجرس مسودة القرار، ولكن بصيغة القرار غير الملزم.
وبسبب من التوجه اليميني لبايدن، أعلن عدد من قادة الحزب الجمهوري، من ضمنهم الرئيس السابق، جورج بوش الابن، أنهم سيصوتون لصالحه في هذه الانتخابات.
ومن جانب آخر، حرص بايدن على ترشيح المحامية كامالا هاريس، من أصول عرقية ملونة، لمنصب نائب له، في حالة فوزه. وكان اختياراً دقيقاً وموفقاً، فهو بهذا الاختيار يُرضي السود والحركة النسوية، في آن معاً. ويبرز كقائد متحرر رافض للتمييز والعنصرية.
وما لم تحدث مفاجئات لصالح الرئيس ترامب، فإن احتمالات فوزه بدورة رئاسية ثانية، تبدو صعبة جداً. وليس علينا سوى الانتظار.