كورونا والشماتة
يتابع العالم بقلق تسارع انتشار فيروس كورونا وهو فيروس يسبب التهاب رئوي حاد يؤدي لموت الكثير خاصة من تكون مناعتهم ضعيفة ويعانون من بعض المشاكل الصحية، على مدار الثلاثين السنة الماضية زادت حالات تفشي الفيروسات القاتلة وأصبح انتشارها سريعا مع سرعة حركة وتطور العالم، فيروس كورونا ظهر للوجود في منتصف ديسمبر 2019 في أكبر تجمع سكاني في دولة الصين في سوق هونان للمأكولات البحرية في ووهان بمنطقة هوبي، وانتشر من بعدها إلى أرجاء العالم، يضرب المقومات الصحية للبشرية ويهدد بواقع اقتصادي واجتماعي متأزم، خصوصا في الدول الفقيرة ومقوماتها الصحية ضعيفة وتعاني من اقتصاد متردي، مما يشكل خطرا في تزايد هذا الفيروس في هذه البيئة وخروجه من هذه البيئة إلى بيئات أخرى على النطاق العالمي.
فلا شك أن هذا الفيروس ومع انطلاقته لم يؤثر على الناحية الصحية بل تعداه إلى الحالة الاقتصادية والصناعية والأسواق المالية المحلية والعالمية وحركة الانسان وارتباطاته داخل بلده وخارجه، فالفيروسات ومنها فيروس كورونا يعد خطره على الصحة والاقتصاد وبالتالي يصبح تهديدا حقيقيا للأمم الوطني، ومع الأسف الامر متجه الى الزيادة والتدهور على اكثر من صعيد بشكل لا يتخيل، فالصين مع الكثافة السكانية ينتشر هذا الفيروس بشكل متزايد ومع ذلك ادارة الصين هذه الأزمة بفاعلية واهتمام فقامت بإنشاء مستشفيات متكاملة في عدة ايام فالجانب الصحي في الصين متطور جدا وتقنياتهم متقدمة، في حين ان في بعض دول العالم الثالث يحتاج الى عدة سنوات انشاء عيادة صحية، مما يجعل الرعاية الصحية في خبر كان.
الصين اكبر تجمع سكاني في العالم حيث يصل عدد سكان الصين الى اكثر من 7,7 مليار نسمة وهذا الرقم في تصاعد مستمر مما يجعل التواجد السكاني في بكثافة في مناطق محدودة وصغيرة وعلى قرب من بعضهم، مما يزيد من خطر التعرض وانتشار الفيروسات، اليوم قلب الاقتصاد العالمي واكبر مستورد للنفط على مستوى العالم ضرب اقتصاده بفيروس كورونا هو مؤثر على سعر برميل النفط وبالتاي ضرب لاقتصاد اكثر دول العالم، فالبشرية وكثير من الدول تعتمد اعتماد كبير بما تجود بها المصانع الصينية من ابتكارات تخص خصوصيات الشعوب، تقدم لك شعب حسب ثقافته وهواياتها وعاداته ما يتمنى، فلهذا خسائر الاقتصاد على النطاق العالمي شهريا مئات المليارات، وهي من اشد وأعتى اقتصاديا من الأزمات المالية والاقتصادية السابقة، فالعالم اليوم يعيش متقارب بسبب وسائل النقل السريعة والارتباطات المتعددة بين العالم سواء السياسية او الاقتصادية او التعليمية او غيرها من الامور التي اصبحت مهمة وتحتاج الى التنقل وهذا سبب من أسباب انتشار الفيروسات ومن بعدها تأثيره على الاقتصاد وتوقف كثير من المصالح سواء على نطاق وسائل النقل او على غيرها من الامور الحياتية الاخرى، فالعالم اليوم لا يستغني عن الدور المتعاظم للصناعة الصينية في شتى المجالات فهي اطلب تجد من ابسط الامور الى مالايتصور ويخطر على بال بشر فهي اليوم معجزة اقتصادية متنامية.
يقول المثل الشعبي الخليجي :
« اربط إصبعك الكل ينعت لك دواء ».
اليوم كلا يدلوا بدلوه في هذا المصاب الجلل منهم من يقول انه قضاء وقدر وأمرا طبيعي، ومرض من الأمراض العابرة التي ابتلي بمثلها من قبل، ومنهم ما يعزوها الى اطماع اقتصادية، ومنهم من يراها من منظور تنافس سياسي، ومنهم من يقول ان فيروس كورونا تم تصنيعه واختلاقه في مختبرات طبية او بيولوجية سرية يتهم فيها الصين احيانا انها قامت بتجارب بيولوجية وفقدت السيطرة او تسربت هذه التجربة خارج المختبرات، وفي رواية اخرى من الروايات المتعددة ان الصين حوربت بالفيروس من اجل تدمير اقتصادها المسيطر على قوة الشراء العالمية، ومنهم من يعزوه الى شركات الأدوية العالمية ومن يقف ورائها من اصحاب النفوذ من السياسيين ورجال الاعمال النافذين والمنتفعين بمثل هذه الإعداد الكبيرة من المصابين وارتفاع التكلفة العلاجية بالمليارات يوميا تصرف على تجهيز المستشفيات والقيام بالعمل الوقائي للمشتبه في اصابتهم بفيروس كورونا او غيره من الأمراض الذي صنعها الانسان بسبب طمعه وجشعه،
فالمختبرات السرية الخاصة مرتع للتلاعب بالفيروسات بدون رقيب ولا حسيب من اجل أهداف مرسومه وخطط مدروسة من اجل واقع يرسم لهذا العالم، يتم توظيفها في حروب مستقبلية، والضحية البشرية في عالم يكشر عن انيابه بدون وازع اخلاقي او ديني او التزام بمواثيق دوليه او أعراف إنسانية.
فلا غرابة من استخدام الاستخبارات العالمية كل الوسائل الغير قانونية ومخالفة لجميع الأعراف والمواثيق من اجل مصالح شخصية، فقد استخدمت تنظيم القاعدة الإرهابية من قبل المخابرات من اجل أهداف معينة واستخدمت كذلك داعش في ضرب البنى التحتية لكثير من الدول أشرفت عليها مخابرات متعددة حتى بلغ تعداده اكثر من ستين الف مقاتل من كثير من دول العالم، وليس بعيدا ان تفرخ مسميات اخرى لأشغال العالم، فمن يخترق العقل التكفيري ويجعله ألعوبة في يده ليس غريبا ان يفعل فيروس يكمل المسيرة المخطط لها، في حروب مفتعلة تجرب فيها شتى انواع الأسلحة المحرمة دوليا من كيميائية ونووية وغيرها من الأسلحة، فعالم اليوم يخطوا نحو دماره فعالم يكب بقايا جنوده في مكب النفايات لن يهتم بباقي شعوب العالم.
الفيروسات اليوم من اخطر الحروب تهديدا واشدها فتكا واقلها تكلفة تتكون من كائنات مجهرية غير مريئة سريعة الانتقال لا تعرف حدود، فقد مرت على البشرية فيروسات خلال القرن العشرين والواحد العشرين ومن قبلها والتاريخ ينقل الكثير الذي راح ضحيتها الملايين من البشر، فقد صنفت هذه الفيروسات البيولوجية من أسلحة الدمار الشامل مثل الأسلحة النووية والكيميائية، لعظم خطرها، فحضرت هذه الأسلحة دوليا لصعوبة السيطرة عليها وانتشارها على نطاق واسع وعدد ضحاياها المرتفع، رغم كل ذلك لم تتوقف صناعة مثل هذه الأسلحة سرا وتجربتها على البشرية اثناء الحروب المفتعلة وعلى الشعوب المستضعفة، فهذا الخطر يهدد العالم اجمع فهيا قنابل يمكن ان تنفجر في اي وقت ويصعب السيطرة عليها والضحية لا ناقة لهم ولا جمل. لا غربة ان تكون الحروب القادمة حروب بيولوجية من اجل المزيد من الأطماع والسيطرة وجني المال. فالطمع دائما يذهب ما جمع، لكن الطماع تسيطر عليه حب الدنيا والجشع حتى لو اذى ذلك لمزيد من القتل وانتشار الأوبئة.
فالحيوانات اليوم تحقن من اجل التسريع في نموها ومن اجل ان تعطي مردود اقتصادي مضاعف حتى لو اثر ذلك على مر السنين على حياة البشر، والفواكه ترش بمواد من اجل بقاءها فترات اطول، والأدوية تصرف للبشر وبعد سنين يكتشف انها ليس صالحة للاستخدام البشري، وغيرها كثير من الامور الذي ضحيتها هو الانسان والمستفيد قوى رأس المال وملاك الشركات والمصانع التي تخلف النفايات الخطرة وتدفن في البلاد الفقيرة، وتنشر الأمراض والأوبئة عندهم وبعدها ينتشر في أنحاء العالم.
سواء كان الفيروس قضاء وقدر او مصنع من قبل جهة ما، فالأيادي الخفية ليس بريئة من استغلال كل ما يحدث وتحوره الى مصالح الشركات العالمية من اجل تسويق أدوية وجنى المليارات، وقبل اكتشاف الدواء هناك مليارات اخرى للوقاية وتجهيز المستشفيات والتخلص مما يراد التخلص منه من مستودعات تلك الشركات.
بسبب هذه الأزمة سواء كانت قضاء وقدر او مصنعة في مختبرات يكتسب منها القلة من اصحاب الاعمال ورؤوس الأموال واصحاب شركات الأدوية بدون وازع ديني ولا اخلاقي ولا قانوني، والخاسر الأكبر الشعوب، فقد اثر هذا الفيروس على مجمل سير الحياة على نطاق محلي او عالمي، البوم تتوقف الكثير من الرحلات العالمية وكم من الخسائر وراء ذلك وكم من المصالح سوف تتعطل، وغيره من الفعاليات الدينية والعبادة والرياضية والسياحة وصل هذا الفيروس الى ما يقارب مائة دولة فتتعطل الكثير من مصالحها ويضر باقتصادها ويتأثر بذلك الانسان.
فالكثير كتب عن هذا الفيروس وخطره والاحتراز منه حتى لا ينتشر اكثر ويخرج عن السيطرة، ويهدد الوجود الإنساني، فالوقاية خير من العلاج وتبعاته من الم ومشقة ولا سامح الله موت، او نقله الى من حولنا، فيجب توخي الحدر من كل ما يكتب في وسائل التواصل يوجد بها الصالح والطالح، ان نقنن ونعتني بالكيف وليس بالكم، وان يكون لما نكتب مصداقية والتأكد من صحته قبل إرساله، فكل يوم يرسل علاجات شعبية واقتراحات وقائية وأكلات تنجي وشراب يشفي، او رفع سقف المخاوف والهلع او التقليل منها، فاتباع القنوات الرسمية وتحري الخبر هو الأصح والأسلم في هذه الفترة الحساسة من عمر البشرية، فالكل اليوم مسؤول من رب الاسرة الى كافة أفراد المجتمع في مساعدة الأجهزة الصحية من اجل مجتمع يقل فيه عدد المصابين وعدم انتشاره بين أفراد المجتمع.
لن نتكلم عن انواع الوقاية من هذا الفيروس فالقنوات الصحية والمختصين ادلوا بدلوهم في هذا المجال فكفوا وأوفوا، ووزارة الصحة والكوادر الصحية تعمل على قدم وساق ليلا ونهارا من اجل وقاية أفراد المجتمع، وهم مشكورين على القيام بواجبها على اكمل وجه.
قال الامام علي :
« لا تفرح بسقطة غيرك فإنك لا تدري ما تتصرف به الأيام ».
واخير وهو المهم الذي يهدد سلامة اي مجتمع هو تشفي البعض والشماتة بما يصيب الغير سواء على النطاق المحلي او الخارجي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تبرز الأبواق النشاز والألفاظ البديئة، تحمل إساءات لابناء مجتمعهم او مجتمعات اخرى باختلافات قومية او سياسية او مناطقية او مذهبية او عرقية او اختلاف بين اسود او ابيض او بين دين وآخر، في ربط يتسم بالجهل والتخلف والبعد عن الخلق الاسلامي، فالفيروس بلاء ندعو للمصابين ونحمد الله على الصحة، لا ان نصل الى هذا المستوى المتدني من قلة الأدب، في ازمة عالمية بمكن تصيب الشامت في يوما ما، فالعالم يتسابق للتكافل والتآزر من اجل القضاء على هذا الفيروس وعديمي الخلق يشمتون على من ابتلي، لا يعرفون للمريض دعوة مستجابة. فهذه بضاعة فاسدة من عقول فاسدة هي اخطر من فيروس كورونا، ففي يوم قريب بمشيئة الله سوف يقضى على فيروس كورونا، ولكن من الصعب علاج العقول المتعفنة الخطرة على مجتمعهم، فالشماتة خلق دميم ليس من خلق المسلمين، وليس من خلق ذو عقل، فهذه الصفة من صفات الجبناء فالشجاع لا يشمت حتى في عدوه او المخالف لدينه، فكيف والدين واحد والبلد واحد نركب في سفينه واحدة، اذا غرقت غرق الجميع، فالكل يدعو من اجل النجاة وترسيخ مبذأ التكافل والتكاتف والتعاضد حتى تزول هذه الغمة عن هذه الأمة، فالأزمات سواء الصحية او غيرها من الابتلاءات تظهر معادن الامة ومستواهم الثقافي وتربيتهم الأخلاقية، ومدى الوعي والتعالي عن الأحقاد، والتعامل بإنسانية، فمقاطع كثيرة تنشر لحيوانات تعطف وتحن على بعضها في منظر يشرح القلوب لا نراه في بعض ابناء المجتمع الإنساني، فالفيروس ليس لا سود دون ابيض ولا عرق بدون عرق اخر فالفيروس ليس له دين او مذهب، فليس من الصحيح ان نقحم السياسة والعرق والمذهب، فالشامت لن يضر الا نفسه عقاب من الله عز وجل، سواء في الدنيا ان يصيبه بلاء او عقاب في الآخرة، والأمثال تضرب ولا تقاس وأكد على ذلك ان الأمثال تضرب ولا تقاس حتى لا يسئ البعض الظن ويتسابق البعض بروحه المريضة الى التأويل، ان « لن يضر السحاب نبيح الكلاب ». و « والقافلة تسير والكلاب تنبح ». للمجتمع محفوظ بالطيبين واصحاب الخلق والخائفين على بقاء المجتمع.
قال الامام الصادق :
« لا تبدي الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويحلها بك »
فالمرض كفارة او باعثا لرفع درجة او اعلاء مرتبة، في الآخرة، في حين الشامت له الخزي في الدنيا ويموت مأثوما لا ينفك عن العذاب في الآخرة.، « من راقب الناس مات هما ».
فقل للشامتين بنا أفيقوا * سيلقى الشامتون كما لقينا".
فالشيطان يفرح بالشامتين فهم من جنده ومن يحقق أهدافه في تفتيت المجتمع والأضرار بوحدة الامة.
فلو كل كلب عوى ألقمته حجرا لأصبح الصخر مثقالا بدينار
الشجرة المثمرة وحدها من تقذف بالحجارة، اما الأشجار الضارة مثلها مثل الشامتين، اذا لم تكن مضرة، او سامة. فكل شماته توجه الى اصحاب المقامات الرفيعة والخلق العالية ترفع من قدرهم الى مصاغات اعلى وتظهرهم لمن حولهم بأبهى صورة.
قال تعالى :
« إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ »
ومع أصوات النشاز، لا ننسى بعض التغريدات التي تفلج الصدر وتسر الخاطر تنم عن خلق وتربية، اهل الطيب من شرائح مختلفة من مسؤولين واصحاب فكر تدعو للمصابين بالشفاء، وان المصاب مشترك والوقوف جميعا كأخوة اعزاء وهذا هو المأمول والمشرف وبه تعمر الأوطان وتتقدم الشعوب بتلاحم الجميع، فالبلد اعلى من الحاقدين، فالمساس في هذا الوضع وهذه الفترة الحرجة بفرد او مجموعة هو مساس باللحمة الوطنية، والأمن العام للبلد.
وما من كاتب إلا سيفنى *** ويبقى الدهر و ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه