آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

الزهراء (ع) العشق الحقيقي

عبد الرزاق الكوي

يصادف الرابع عشر من هذا الشهر فبراير ميلاد سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء أم ابيه البتول الصديقة، وهذا اليوم يعتبر يوم العاشقين والمحبين، وهو الشوق إلى الحبيب والميل لما يوافق الحبيب ورضاه، وكلنا يعرف المكانة العظيمة لفاطمة الزهراء عند الله جلا وعلا والفيوضات الذي من الله تعالى على هذه الشخصية الطاهرة منذ حملت ام المؤمنين خديجة بأمر من الله ولطفه وحتى ولادتها الشريفة وحب الرسول لها ورعايته وحث المسلمين بحبها، والأمر السماوي بتزويجها للامام علي ليجمعهم اطهر بيت على البسيطة بعد بيت الرسول صلى الله عليه واله، واستمر هذا الحب من قبل الائمة الاطهار لهذه العظمة والمكانة الطاهرة، واتباعا لرضا الله تعالى وحبا للنبي صلى الله عليه واله، يكون الشرف لمن اتخذ هذا اليوم عشقا لام ابيها ومن ذريتها سبطي الرسول سيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، بهذا العشق تطهر القلوب وترهف المشاعر ويقوى الارتباط بالله جلا وعلا وبرسوله صلى الله عليه واله ويقوى الإيمان وينعكس هذا الارتباط صفاء ومحبة لمن حولنا.

يعرف الإمام الغزالي العشق الإلهي قائلًا: «فاعلم أن مَن عَرَف الله أحبَّه لا محالة، ومَن تأكدت معرفته تأكدت محبته بقدر تأكد معرفته، والمحبة إذا تأكدت سُميت عشقًا، فلا معنى للعشق إلا محبة مؤكدة مفرطة، ولذلك قالت العرب: ”إن محمدًا قد عَشِق ربه“ لمَّا رأوه يتخلى للعبادة في جبل حراء».

فحب فاطمة حبا للرسول وحب الرسول ﷺ حبا لله جلا وعلا.

قال رسول الله صلى الله عليه واله :

«من أحب قوم حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عمله».

فمن أراد القرب وعظمة الإيمان وجزيل الأجر والثواب وطهارة القلب فحب فاطمة الزهراء هو الوسيلة إذا عرف عظمة مكانها حق المعرفة وليس عشقا يتوارث ينعكس هذا العشق على الشخصية وعلى العلاقة مع الاسرة والأقرباء والمجتمع والآخرين الأقربين والمخالفين كما كانت سيرة الزهراء حبا ورحمة لمن حولها.

قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إِذا اشْتقْتُ إلى الجَنَّةِ شَمَمْتُ رَائِحَةَ فَاطِمَةَ».

العشق إلى سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ان يعاش كمبدأ للحياة ينعكس على الواقع اليومي فمجرد ذكرها الطاهر تدخل البهجة والسرور على القلب، تمثل مصدر أمان وراحة للنفس، ورقيا في الخلق وهداية إلى الطريق المستقيم وصولا للمعشوق الأعظم مما خلق الله النبي محمد ﷺ، يصلنا هذا القرب إلى العشق الإلهي وهو ذروة وقمة العشق.

﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى

فالعشق بهذه العظمة ليس موروث يتوارث من الآباء والأجداد ومن المحيط والبيئة الذي ولدنا فيها وتربينا في كنهها، وريتردد كالقلقة لسان، يستخدم في الملمات ووقت الحاجة، بل عشقا يسكن القلب تنصهر فيه كل معانيه اتباعا وتمسكا وصبرا يرتفع عن أي حب دنيوي والبقاء في ظل من تعشق حتى يؤتي أكله وتحصد ثمره ويترك أثره الطيب ليصل فيه لمستوى الكمال والسعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، والنجاة من النار ببركة هذا العشق والولاء.

هذا العشق نزل من السماء، أما ما يأتي به الغرب من عشق مزيف وعلاقات مشبوهة ورغبات جسدية وخلوات محرمة وعشقا حيواني وشهوة آنية فهذا ليس هو العشق الحقيقي البعيد عن القيم تثار فيها العواطف المؤقتة، للوصول لأهداف غير سوية.

الدين الاسلامي والأديان الأخرى حثت على الحب الطاهر بين الزوجين وبين أفراد الاسرة والمجتمع وما الدين إلا الحب، يتغير صعودا ونزولا وثباتا حسب مقتضى الظروف المعيشية والأوضاع الاجتماعية والمشاكل الحياتية، ويبقى الحب الثابت الذي لا يتغير حب أهل البيت والقلب النابض لهذا البيت المبارك فاطمة ، يقودنا إلى جنات الخلد بما يكسب من هذا الولاء وهذا العشق الخالد في قلوب عشاقهم وهذه من الطاف الله سبحانه وتعالى أن وفق لمحبتهم من أجل أن يصل الإنسان للكمال وتتكامل الأرواح وتسمو النفوس.

قال الامام علي عن فاطمة الزهراء :

«ان العزاء عن مثل من فقدته لعزيز، إني فقدت رسول الله صلى الله عليه واله بفقد فاطمة، إنها كانت لي عزاء وسلوه، وكانت إذا نطقت ملأت سمعي بصوت الرسول صلى الله عليه واله، وإذا مشت لم تخرم مشيته، وأني ما أحسست تألم الفراق إلا لفراقها».

فالكلام عن سيدة نساء العالمين الذي يعتبر يوما للمرأة هي كقدوة للجميع بشكل عام وللمرأة بشكل خاص لن يكون أمراً عاديا، ان تنسب وتحسب على مكانتها الجليلة فهي بفضائلها ومكارم أخلاقها وعلو منزلتها تزهر لأهل السماء كم تزهر النجوم لأهل الارض.

فعندما تتشرف المرأة ان يكون عيدها ويومها مع ولادة سيدة نساء العالمين بضعة الرسول صلى الله عليه واله، حيث كان ولادتها المباركة بعد بعثت النبي الأكرم بخمس سنين، في المدينة المنورة كان يوما للإنسانية أشرقت بنور ربها رحمة وبركة، اصبحت فيه القطب الجامع بين النبوة والإمامة ومن تشرف باتباعهم، فاليوم تتشرف المرأة بعيدها مع الولادة الميمونة.

نبارك لكل من جعل سيدة نساء العالمين قدوته، وعزانا من تخلفت بإلحاق بهذا الكوكب المبارك ان تسعى لترتقي المكانة السامية في ركب الزهراء، حبيبة الرسول صلى الله عليه واله، حتى تتمتع بنيل الفضائل الفريدة والمزايا الفدة والمواهب العالية هذه الشخصية المتكاملة لا حدود لا تساعه ولا غور لأعماقه فقد كرمها الله تعالى بهذه الصفات، ودأب النبي صلى الله عليه واله في إظهار منزلتها ليس من موضع حب اب لأبنتها بل امر رباني لتكون نموذج مشرف للمرأة ان تجعلها مثلها الأعلى، فحب المرأة لفاطمة يستدعي المجاهدة في السير الحثيث والمتواصل في طريق من عشقنا والإصرار على الالتحاق بركبه، ومواكبة دربه، ان يكون ممارسة يومية في مجمل افعالها وفي مسيرة حياة المرأة في درب أعظم مخلوقة على وجه الارض.

فاليوم تتوج المرأة في اعظم احتفالية على القلوب، لتتويج مكانتها، وعرفان بعطائها ومساهمتها في مجتمعها، وتقدير جهودها وشكرها على خدماتها لمن حولها، فقد كانت المرأة منذ بعثة النبي صلى الله عليه واله صاحبة فضل وعطاء في مسيرتها الرسالية فقد كانت خديجة خير سندا ومعين، شهدا لها الرسول الأعظم على علو شأنها وعظيم عطائها وجليل مواقفها، وجاءت الزهراء البتول لتواصل مسيرة أمها جهاد ودفاعا عن الولاية ونصرة الحق، والصديقة الصغرى البطلة الخالدة زينب وما قامت به في كربلاء المقدسة، ولا ننسى المضحية العظيمة ام البنين وما فعلته من اجل الدين ان قدمت فلذات كبدها، وغيرهم من النساء الخالدات التي لم يكن طريقهم مزروعا بالورود والرياحين بل كان طريقهم حافل بالمصائب المهولة التي يشيب منها الطفل الرضيع فجاهدوا وصبروا وخلدوا نورا في صفحات التاريخ، حريا بالمرأة في عيدها ان تتخدهم قدوة ونبراسا لحياتها الحافلة بمشيئة الله بالعطاء والطهر والعفاف الذي اراده الاسلام للمرأة من اجل علو شأنها واخراجها من مظلومية الجهل قبل الاسلام، ومن جاهلية العصر الحديث، فقد كانت في الجاهلية كيانا مهمشا واليوم في عصرنا يراد لها ان تكون مهمشة مرتبطة بمتاع الدنيا، تستجيب لداعي التبرج والتقدم المزيف، فاليوم تحارب المرأة في عفافها وكرامتها وحجابها وسترها وثقافتها وتمسكها بقيمها تستخدم كواجهة إعلامية ومنصة دعائية رخيصة للمجلات الصفراء ووسائل الاعلام المقرؤة والمرئية من اجل اطماع مادية او وسيلة لإشباع الرغبات، على أيدي دعاة التقدم والتحضر، هذه الاستجابة لن تضر المرأة فقط، وإنما أيضا تسبب أضرار كثيرة للمجتمع، فهذا التحرر أفرز ضياع للابناء وتهديد لأمن الاسرة.

لتتعاهد المرأة في يومها اتباعا لفاطمة الزهراء ، من اجل حياة كريمة ومشرفة تكون على أساس من التقوى والصلاح، تكون فيه من اهم المؤثرات التي تؤثر في بناء المجتمع ورقيه كما اراد لها من عشقتهم.

أزكى التبريكات لكل المسلمين بذكرى ولادة فاطمة الزهراء سيدة العشق ومالكة الأفئدة ومعنى الحب وأساس المودة وأصل القربى ورضا الرحمن بضعة الرسول ﷺ وقرة عينه. وكل عام والمرأة اكثر عطاءا وقربا ومقاما.

تبقى الكتابة والقراءة عن الزهراء توفيقا ونعمة وأجر وثواب ونور للقلب وصفاء للنفس وبهجة للروح وثقل للميزان.

لَو فَتّشوا قَلْبي رأوا وَسطه *** سَطْرين قَد خُطّا بلا كاتب

العَدل والتوحيد في جانب *** وحُبّ أهل البيت في جانب