آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

العقيلة زينب (ع)

عبد الرزاق الكوي

طلب عبد الله من عباس من الامام الحسين عدم حمل النساء معه إلى العراق، وعندما سمعته العقيلة زينب أعترضت على نصيحته للإمام بأن لا يحمل النساء معه فقالت: «يابن عباس تشير على سيدنا أن يخلفنا هاهنا ويمضي وحده؟ لا والله بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره».

فقد كانت موطنة النفس وهي العالمة الغير معلمة بنت الرسالة بما سوف يجري من احداث، فقد عاشت الأحداث الجسام في مصاب أمها فاطمة الزهراء، وفي مصاب أمير المؤمنين، وفي مصاب اخيها المجتبي ابا محمد الحسن بن علي عليه جميعا ازكى السلام.

تلقب زينب بالصديقة الصغرى والعقيلة، وعقيلة الطالبيين، والعقيلة وهي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها، وهي العالمة والعارفة والفاضلة، والكاملة، وعابدة آل علي وهي أول بنت ولدت لفاطمة . تأتي في الطليعة من عظماء النساء بعد أمها فاطمة الزهراء.

فكما كان دورا معهودا للإمام الحسين في كربلاء كان للعقيلة زينب دورا لا يقل اهمية عند دور اخيها في حفظ الدين وبقاءه، مهما كانت الظروف والمعاناة، وهي تعرف ما سوف يقوم به أعداء رسول الله صلى الله عليه واله في اهل بيته ، فقد كان لهم تاريخ مخزيا في حربهم للرسول الأكرم ومن بعده الامام علي ومن بعده الامام الحسن عليهم جميعا سلام الله.

فقد سمعت رد الامام الحسين إلى أخيه محمد بن الحنفية ورده على ابن عباس حين طلبوا منه عدم حمل النساء، كان رد الامام : «شاء الله ان يراهن سبايا» كانت تعرف لكن المسؤوليةالملقاة على عاتقها وهي اهلًا لها بل نجحت باقتدار انه اليقين بالعقيدة فلا غرابة من بنت فاطمة ،

فكل المصائب التي مرت على العقيلة زينب أكسبتها صلابة، وثبات في وجه الخطوب والبلايا التي عجز عنها الرجال وانهزم عن تحملها الأبطال، مصائب لو مرت على الجبال لفتتها، وعلى البحار لبخرتها، فكانت زينب فكانت البطولة والعزة والكرامة، بطولة نادرة تتجاوز قدرات البشر بما ملكوا من طاقات وقوة، فما مر بها من احداث في حياتها نقدر نقول من المهد الى اللحد هي ام المصائب التي خرجت منها بالصبر والثبات والنصر والبطولة بدون منازع.

عاصرت مظلومية أمها الزهراء ، ومعاناة أبيها مع الفتن التي وضعت في طريقه والحروب الذي اجبر على خوضها واستشهادة في محراب الصلاة، وما اصاب الامام المجتبى من ظلم وتخلف اصحابه عنه، وتجرعه سم الخيانة والغدر، قبل سم الجسد الطاهر، والمصيبة المنتظرة التي فاقت جميع المصائب كانت كربلاء، كرب وبلاء.

سمعت العقيلة من الامام الحسين يقول: «أني ارى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه». و«لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

فبدأ دور زينب ان هناك دين يحارب وزمرة باطلة لا احد يقف في وجهها وتزييف حقائق، كانت زينب العقيلة كما كانت الزهراء فاطمة فكما كانت فاطمة ام ابيها، كانت العقيلة ام اخيها . استعدت لهذا الدور.

زينب الكبرى كبيرة في كل شيء وعظيمة في جميع الصفات، امتحنها الله تعالى فقالت «خد حتى ترضى»، كيف بقلم ان يصف كل هذا السمو، فلو اجتمع كل المؤرخون والكتاب والشعراء والمفكرين والعلماء والخطباء في إعطاءها جزء صغير من فضلها لما استطاعوا بما يكتبون ان يرتقوا لهذه القامة والتعريف بها. حقا أن ينحني القلم إجلالا بل اعجابا وتصاغرا امام عقيلة الطالبيين.

فكل ما نكتبه بركة لما وتطهير لنفوسنا ان نكتب نقطة في بحر سيدتنا العقيلة زينب، الطاهرة الزكية العالمة غير معلمة، نور الولاية ومثال البسالة، ورثت من جدها المصطفى الصبر ومن جدتها خديجة الكبرى العطاء والقيم، ومن أمها فاطمة الزهراء الأباء، ومن ابيها أمير المؤمنين علي الشجاعة ومن الحسن العزة، ومن الحسين الثورة عليهم جميعا السلام.

فكانت خديجة عليها السلا نعم المعين للرسول صلى الله عليه واله، وكانت فاطمة صوت الحق المعين للإمام علي ، فخرج من بين الطاهرتين بطلة كربلاء زينب خير معين وناصر إلى سيد الشهداء.

فكانت تتمثل وتتجمع فيها الصفات الجليلة من العائلة الكريمة، فهم نجوم لامعة في سماء الأمة من اجل اعلاء كلمة الله جل وعلا.

بأبي التي ورثت مصائب أمها فغدت تقابلها بصبر أبيها

كانت عقيلة الطالبين العزيزة على قلب الرسول صلى الله عليه واله على قلوب أمها وأبيها وإخوتها، ورغم كل مصائبها قبل كربلاء، كان يوجد لها ملاذ وسند يقف الى جنبها ويخفف من الم فقد عزيز عليها.

الشاعر الخطيب السيد حسن البغدادي يقول:

يا قلب زينب ما لاقيت من محن فيك الرزايا وكل الصبر قد جمعا

فلو كان ما فيك من صبر ومن محن. في قلب أقوى جبال الأرض لانصدعا

يكفيك صبرا قلوب الناس كلهم تفطرت الذي لاقيته جزعا

الفكر يقف عاجز عن بيان عظمة هذا البيت الشريف أهل البيت ، وزينب العقيلة الطاهرة سليلة هذا البيت الطاهر، بحرا متكامل الفضائل؟ صبرا، رباطة جأش، شجاعة، إباء، فصاحة، حريا انها الصديقة الصغرى، الخالدة في ساحات المجد، والصوت الرسالي الناطق بالحق، والموقف الشامخ في سماء البطولة، والتحدي الثابت في وجه الظلم والظالمين.

السلام على بطلة كربلاء، عقيلة الطالبين بطلة كربلاء دافعتي عن الدين، فجزاك الله جل وعلا الجزاء الأوفى مع جدك المصطفى، وجدتك خديجة الكبرى، وأبيك علي المرتضى، وأمك فاطمة الزهراء، وأخيك الحسن المجتبى، وأخيك الحسين الشهيد، عليكم من الله اجل وازكى الصلاة والسلام.