يوم أبا الفضل العباس (ع)
مصائب كربلاء كلها عظيمة ومؤلمة ارتكبت فيها أعظم الحرمات وأقسى الجرائم وشتى الانتهاكات كانت تنم عن حقد لم يمر على مر التاريخ مثيل لها.
من هذه الجرائم المخزية هي منع الماء عن الإمام وعائلته وأصحابه منذ اليوم السابع من محرم الحرام، حرموا من الورود إلى نهر الفرات، وهو نهر من انهار الجنة، حث الأئمة شيعتهم ومحبيهم على اتيان نهر الفرات، وبينوا فضله والاغتسال بماءه والشرب منه.
قال الإمام علي : «الفرات سيد المياه في الدنيا والآخرة».
فقد أمر بن زياد قائد جيشه في كربلاء أن يجعجع بالحسين وأن ينزله بالعراء على غير ماء وغير حصن. حيث تمثل ذلك شخصية بن زياد الإجرامية ليس منع الحسين وأصحابه، بل النساء والأطفال في حرارة الصيف، كانت جريمة مع سبق الإصرار والترصد تحمل في طياتها ليس حقدا على الامام الحسين ، بل على الرسالة والرسول، فالحسين على أرض كربلاء يمثل جده بكل ما تعني الكلمة.
أمر قائد الجيش خمسمائة من الجيش بقيادة عمرو بن الحجاج ان يحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء.
ضرب جيش الكفر والضلال حصارا على النهر في في جريمة قتل لم ينجو منها احد، فالأطفال يشاهدون نهر الفرات أمامهم ولا يستطيعون الوصول له، يتصارخون عطشا في في صيفا ملتهب حتى الرضيع أخده الإمام للقوم فكان السهم المثلث من العن خلق الله حرملة فذبحه من الوريد للوريد، في عمل إجرامي قل نظيره الا من أمثال حرمله.
فالقوم يتفاخرون بهذا النصر وهذه المكانة ان طفل بريء او أمرأة مسالمة ان تحرم من الماء، هذه هي أخلاقيات أعداء الامام الذين لم يتأثروا بمبادىء واخلاق الاسلام، حين يقولون بكل زهو وفخر: يا حسين هذا الماء تشرب منه السباع والطيور وانت لا تذوقه، فيمكن ان تكون القساوة بين المتحاربين والجيشين لكن تصل الى رضيع عمره ستة اشهر لم يمنع من الماء فقط بل دبح بين يدي الامام .
فقد فعل هذا الصنيع من قبل بني اميه في حربهم مع الامام علي ، فقد منعوا الماء عن الامام علي واصحابه وأرسل لهم الإمام الصحابي الجليل صعصعة رضوان الله عليه يسألهم أن لا يمنعوا الماء، فرفضوا أن يسمح لجيش الإمام بشرب الماء، فحمل جيش الامام علي بقيادة البطل الاشتر رضوان الله عليه، فهزم الجيش عن الفرات، فأبى الإمام بموقف ينم عن الأخلاق الرفيعة والإنسانية أن يمنع جيش الأعداء من الماء وأن يعاملهم بالمثل.
كذلك الإمام الحسين في موقف النبل والشرف عندما التقى مع الحر بن يزيد، وكان على رأس ألف فارس ويركبوا الف فرس، كان العطش أخد منهم مأخدا عظيما، موقف من مواقف من تربى على يد الرسالة والطهر، فأمر الإمام اصحابه ان يسقوا ألف فارس ويرشفوا الخيل قبل ان يسقوها، رغم ان الجيش معادي وشح في الماء في صحراء قاحلة بعيدة عن مصادر الماء، لكن الرحمة والإنسانية هي ما تربى عليها الامام الحسين .
كان في كربلاء بطلا اخذ من ابيه الامام علي الشجاعة، خاض المعارك مع ابيه انه قمر بن هاشم رمز الشجاعة والإيثار والنخوة والشهامة، عندما أراد الامام علي الزواج طلب من أخيه عقيل ان يختار له زوجة ولدتها الفحول، فكانت ام البنين فاطمة بنت مزاحم بن خالد التي ولدتها الفحول، من أسرة كريمة دائعة الصيت بين العرب بالنبل والشهامة والشجاعة، من اشجع بيوتات العرب، وانجبت قمر بني هاشم وإخوته وهبتهم يوم كربلاء لكي يحموا الإمام الحسين ، وعندما رجعوا بنات الرسالة إلى المدينة لم تسأل عن ابنائها الأربعة، بل كان سؤالها عن الإمام الحسين .
عندما سمع صراخ الأطفال من العطش فلم يستطع صبرا وهو صاحب النخوة والفارس المقدام، استأذن من الامام، واخد القربة وذهب الى المشرعة حتى ملاء القربى لم يشرب الماء قبل الامام الحسين والنساء والأطفال فأنشد:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت أن تكوني
هذا حسين وارد المنون وتشربين بارد المعين
عاد بروح المنتصر والفرح من اجل أطفال يتضرعون عطشا صراخهم يتعالى الى عنان السماء ينتظرون من ابي الفضل ان يعود لهم بقطرات من الماء تروي عطشهم، سار وهو يقول:
لا ارهب الموت إذا الموت زقا حتى أواري في المصابين لقى
إني انا العباس أغدو بالسقا ولا أهاب الموت يوم الملتقى
جسد الوفاء والأنفة والحمية والوفاء للإمام الحسين لم يكن يناديه الا بسيدي حبا وتقديرا لإمامه، ذاب حبا وتفانى عشقا وذاد بكل شجاعة عن أهل البيت ، لقب بالسقاء حينما فرق الأعداء عن المشرعة في اليوم السابع وجلب الماء الى معسكر الإمام الحسين .
في المرة الثانية عندما خرج العباس الى نهر الفرات اجتمع جيش الظلم على العباس من اجل منعه من إيصال الماء إلى معسكر الإمام الحسين ، فضربه اللعين حكيم بن طفيل على يمينه فقطعها، فأخذ اللواء بشماله وهو يقول :
والله إن قطعتم يميني إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين
فضربه لعين اخر وهو زيد بن ورقاء الجهني على شماله فقطعها، فضم اللواء إلى صدره الشريف، وأصاب سهما عينه، وسقط من أعلى الفرس مقطع الأيدي مناديا أدركني ياحسين.
قال الشاعر:
ياسائلا عن معنى الوفاء انظر إلى العباس في أرض كربلاء
مقطع الكفين والأشلاء ذبيحا عطشانا بلا ماء
ذاذ عن الحسين بنفسه والجود بالنفس قمة الولاء
جاء الحسين مصرع العباس مناديا:
«الان انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي».
شهادة من الإمام الحسين بعظمة العباس والدور العظيم المناط به في الدفاع عن بنات الرسالة، فكان جيشا متكاملا بمفرده يهابه الأبطال ويفر منه الشجعان، رجع الحسين حزينا لما اصاب ابو الفضل وفقده، وصرخة عقيلة الطالبيين زينب فقيد كفيلها «وأخاه واعباساه واضيعتنا بعدك»
بقى الشهيد البطل العباس رمزا شامخا في التراث الشيعي تهوي له القلوب، بما قدمه من بسألة ووفاء يكتب بحروف من نور تمزق جسده وبقيت روحه تنير قلوب محبيه، والباب المفتوح لقضاء حوائجهم عندما يتكلم الإمام الصادق عن العباس كأنه يتحدث عن معصوم بما وصل له من الفضل والمنزلة:
«اشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العالم والوصي المبلغ والمظلوم المهتضم».
قبل يد العباس ثلاثة من المعصومين الإمام علي حين ولادة العباس فبكى، وقبلها الإمام الحسين حين سقط العباس شهيدا، وقبلها الامام زين العابدين عند دفنه.
عطش الأطفال واستشهاد الامام الحسين وهو عطشان أوجد الم في قلوب الأئمة وشيعتهم حتى تقوم الساعة، ذكرى لا ينقطع ابدا ولو جزء من ساعات يومنا ونحن نشرب الماء ونتذكر مرارة عطشهم ، وهو المنادي شيعته:
«شيعتي مهما شربتم.. عذب ماء فاذكروني او سمعتم بدبيح أو قتيل فاندبوني فأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني».
قال الإمام الصادق :
«ما من عبد شرب الماء فذكر الحسين ولعن قاتله إلا كتب له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة الف سيئة».
نجتمع في يوم العباس فلنجعل حضورنا بكاء وعبره، وفاءه وتمسك بقيم ابي الفضل، فهد مجلس عظيم وصل لنا بفضل دماء زكية اريقة من اجل الحق وبقاءه ودحر الباطل ومحاربته، ان نستمد من خصال قمر بني هاشم معاني البدل والعطاء والإيثار والتضحية.