البكاء على مصيبة الإمام الحسين (ع)
قال جل وعلا: «ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب».
أن الانسان اذا فقد أحد أو أكثر يتأثر لهذا المصاب خصوصااذا كان عزيز على قلبه، واصحاب المصاب يكنون الاحترام والتقدير لمن يشاركهم في مصابهم مخففا عليهم ثقل المصاب مواسياً لهم واقف جنبهم فكيف اذا كان مصابنا في سيد شباب أهل الجنة، ومواساتنا للزهراء الطاهرة، حبا لها ومكانتها، ويقينا ان من يشاركها في مصابها سيلقى التقدير من صاحية المصاب.
هذه الأيام الحزينة من شهر مظلومية الامام الحسين ، أذ روى بدماءه الزكية أرض كربلاء فشع من هذه الدماء مشعل نور وهداية. فالبكاء على الامام يمثل تعظيما للشعائر والثناء على ما قدمه الامام للإسلام واحياء للدين، وله ارتباط وثيق باستمرار هذه الشعيرة الشريفة، في تطبيق أهدافها.
هل عاشوراء فقم جدد به الحزن مأتم الحزن ودع شربا وأكلا
كيف ما تلبس ثوب الحزن في مأتم أحزن أملاكا ورسلا
كيف ما تحزن فيه في شهر به أصبحت فاطمة الزهراء ثكلا
فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه واله الحزينة ومن تتلقى العزاء الأم الثكلى، فكل دمعة على ولدها الحسين مشاركة لها في مصابها.
أن العاطفة الذي يكنها محبي الامام الحسين وتتفاعل هذه العاطفة حزنا وبكاء ما هي الا تجسيد لعظمة المصاب وكبر الفجيعة الذي أدمت القلوب وفجرت أنهر من الدموع على مر التاريخ. أن الدمعة على الامام الحسين شمعة تنير قلب من درف تلك الدموع مواساة لمصاب فاطمة .
فالبكاء حالة إنسانية فطرية لمن يملك قلب سوي يتأثر بما يحدث من حوله، يعبر عنها بالحزن وصولا لذرف الدموع، فالقلوب الصافية والطاهرة تبكي من خشية الله، تبكي للمصائب والمشاهد من حولها من قتل ومظلومية للبشرية، وأم المصائب مصيبة الحسين .
فالمصيبة على أرض كربلاء ليس مجرد حدث أو معركة، انها حملت جميع أهداف خاتم النبوة، فكما قدم الرسول الأعظم حياته في ظل كيد وظلم قريش فداء لبقاء الاسلام، قدم سبطه ومن أحب الناس إلى قلبه الشريف فداء للإسلام.
فهذه العائلة المباركة والشريفة، الأب استشهد في محارم الصلاة، والام المظلومة والاخ المسموم.
ماذا نكتب عن عظمة الدمعة وقد سبقنا إليها الرسول صلى الله عليه واله حينما اخبره جبرائيل ماذا سوف يفعل أعداء الله في الامام الحسين ، وما جزاء من ابكى الرسول صلى الله عليه واله المنقد للبشرية من الضلال، الخصم الاول لمن قتل الحسين ، وخصمهم الرسول حينما قال الحسين مني وأنا من حسين، فقتل الامام حربا ضد الله ورسوله.
تضافرت الروايات عن النبي صل الله عليه واله، وعن الأئمة في الحث على البكاء والحزن والأسى على الامام الحسين إلى حد الجزع، فالجزع أن كان مذموما الا على مصاب الحسين.
ففي زيارة الناحية «فلأندبنك صباحا ومساء، ولأبكين عليك بدل الدموع دما».
البكاء على سيد الشهداء يبين عظم الجريمة وبشاعة المصاب.
ستبقى الدمعة مستمرة لمن سكن القلوب وأحبه الشرفاء وأعزه الباحثين عن العزة والكرامة، فإذا كان الامام سفينة النجاة فالدموع بحر لهذه السفينة المباركة.
فالدمعة على الامام شفاء للقلوب وتطهيرا للنفس وارتباط حبيبا بمن أحب. وهي من أعظم القربات إلى الله عز وجل، يترتب عليها الثواب العظيم والأجر الجزيل فيه تحط الذنوب العظام وتغفر فيه الخطايا، فيها رضا الرسول ومواساة إلى ريحانته الطاهرة الزكية.
لا عذر للشيعي يرقأ دمعه ودم الحسين بكربلأ اريقا
يايوم عاشوراء لقد خلفتني ما عشت في بحر الهموم غريقا
فيك أستبيح حريم آل محمد وتمزقت أسبابهم تمزيقا
فالدمعة ماهي الا جزء من ارتباط محبينه معه فهو العبرة والعبرة، فالسعيد من وفق للبكاء وسالت دموعه على مظلومية أمامه. أن يتصف بالمشاركة الفعالة والحزن، وسكب الدموع. ان كنت باكيا لشئ فأبك الحسين بن علي .
لنعيش المأساة بعطش الحسين لنعيشها بحجر ابو الحتوف في جبهتها المباركة، بالسهم المثلث على يد اللعين حرملة في قلب الحسين ، بما فعله الشمر بالرأس الشريف، بخيول الاعوجية وهي ترض صدر آلامام. بالأطفال الذين يفرون بعد حرق الخيام، للسبايا وهم بنات الرسالة، بالرضيع الذي أوجع قلوب ال البيت. لنتذكر كل ذلك وتسيل الدموع حزنا على هذه الفاجعة الأليمة.
الرسول صل الله عليه واله بكاه بكاء شديدا قبل موته، فما ظننا لو رأه عطشان تفتت كبده من الظمأ غريبا وحيدا ومقطع الجسد مذبوحا،
الجسم منه بكربلاء مضرج والرأس منه على القناة يدار
كربلاء لا زلت كربا وبلاء ما لقى عندك آل المصطفى
كم على تربك لما صرعوا من دم سال ومن دمع جرى
يا رسول الله لو عاينتهم وهم ما بين قتيل وسبى
القلب الطيب الطاهر من يستشعر الحزن ويعيش المصيبة ويتأثر بالمظلومية فيدرف الدموع وهي قليلة من أجل سيد الشهداء .
قال الامام الباقر : «أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده، صرف الله عن وجهه الأذى وأمنه يوم القيامة من سخطه من النار».
كل شي وقع على أرض كربلاء يجلب الدمعة، خروج الامام من مدينة جده مع بنات الرسالة مرورا بكل المصائب حتى استشهاده تدمي القلب وتبكي الحجر الأصم، لم ترتكب جريمة في تاريخ الانسانية مثل جريمة اذناب الكفر ومجرمي كل العصور، فلن تتوقف الدمعة، فتبقى عرفانا وحبا وولاءا، وارتباط مقدس لن يهتز من المهد إلى اللحد.
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة إنما عيني لأجلك باكية
قدم دمه الطاهر فاليوم انهارا من الدموع تسيل ليس في كربلاء ولا يوم عاشوراء فمحبين الحق يحيون ذكراه العظيمة ويبكون في كل مكان وكل زمان، فالحسين صرخة أمل اختاره الله لهذا المسير فبدل الدم الطاهر، فتبكيك البشرية بما قدمت لها.
نفوز فوزا عظيم عندما نسكب العبرة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وال بيته ، فهذا الامام موسى بن جعفر اذا دخل شهر محرم لايرى ضاحكا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام، فإذا كان يوم العاشر، كان ذلك اليوم مصيبته وحزنه وبكائه .
والإمام الرضا يقول: «فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام».
فالبكاء على الحسين رحمة وتكفير عن الذنوب فهذا مكانة ومنزلة رفيعة من قبل الله جل وعلا بما قدمه من عطاء. وما قدمه للأمة والإسلام وحماية الدين.
فالقلوب المؤمنة بخطه وخطاه تعيش تفاصيل مصيبة الحسين اقتداء وامتثالا للائمة بإقامة مآتم الحزن والبكاء على جدهم عليهم جميعا أزكى السلام. فالإمام علي بن الحسين بكى على ما اصاب ابيه مدة حياته، فالإمام زين العابدين يقول أن نبي الله يعقوب ، كان له اثنا عشر ولدا فغيب الله واحد منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره، من الغم وأبنه حي في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومي وأهل بيتي وأصحاب أبي مقتولين حولي.
في كربلاء استحلت فيها الدماء، وهتكت فيها الحرم، وسبيت فيها الدراري، والنساء، وأضرمت النار في خيام بنات الرسالة، قتل في كربلاء ثمانية عشر رجلا مالهم في الارض من شبيه، فبهذا المصاب الجلل كان يوم الامام الحسين ، أقرع الجفون، وأسبل الدموع، وأدل العزيز، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون.
قال الإمام الرضا : «من تذكر مصابنا وبكى لما أرتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب».
فالبكاء ونزول الدمعة تخبر عن معدن الانسان وطيب قلبه، ورقة مشاعره وقوة الإيمان بالمبادئ الصحيحة، فالحسين قدم النفس والنفيس في سبيل الله مالم يبدله غيره، فعوضه الله جل وعلا كل ذلك الحب في القلوب، ما من أحد سكبت في حضرته الشريفة ادمع حبا وحزنا عليه كثر ابي عبدالله الحسين، فالحسين تجمعت فيه مصائب الزمان.
ففاز من والآك، ونجى من أحبك، عظم ثواب من بكى عليك يا ابا عبدالله، فتح الله جل وعلا لنا سبيلا في الوصل اليه سبحانه وتعالى بتمسكنا بسفينة النجاة امن من ركبها وخاب من تخلى عنها.
في هذه الأيام نجدد العهد الذي لم ينقطع، نرفع رأية الولاء، والكرامة والعزة والآباء. نطهر قلبنا بالدمعة علي الامام الحسين سيد الشهداء، حيث أصحابه رضوان الله عليهم ضحوا بالأنفس ونواسيه اليوم وكل يوم بالدموع ما حيينا وهو قليل في حقك يابن رسول الله.