الإرهاب الاقتصادي
«لطالما حكيت لنا القصص عن العلاقة بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وكيف تنفق الدول الغنية في منظمة التعاون والتنمية بسخاء على الدول الفقيرة في جنوب العالم، لمساعدتها في القضاء على الفقر ودفعهم لصعود سلم التنمية. نعم، لقد حقّقت الدول الاستعمارية في عصر الاستعمار الثراء باستخراج خيرات البلاد المستعمرة وتشغيل أهلها بالسخرة، لكنّ كل ذلك كان من الماضي. وفي هذه الأيام، تقدّم الدول الغنية مساعدات سنوية تقدّر ب125 مليار دولار، وهو دليل دامغ على نيتها الحسنة وعملها الخيّر.
وقد انتشرت هذه القصة على نطاق واسع عن طريق برامج الإعانات وحكومات الدول الغنية، وقد تلقّيناها وكأنّها أمرٌ مسلّم به. لكن قد لا يكون الأمر بسيطًا كما يبدو «جريدة الغارديان البريطانية».
مفردة أو مصطلح الإرهاب أصبح الشغل الشاغل للمجتمعات والدول والحكومات والنخب السياسية والثقافية والفكرية ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في دول العالم كافة.
ولا جدال هنا في أن الإرهاب هو ظاهرة تاريخية عانت وتعاني منها البشرية جمعاء، بغض النظر عن تمظهراتها الدينية والاجتماعية والأيدلوجية، غير أنه أخذ بعداً جديداً وخطيراً على مدى السنوات الماضية بربطه بالأيدلوجية الإسلاموية التكفيرية المتطرفة سواء في منابعها الأم المتمثلة في المجتمعات العربية - الإسلامية أو في امتداداتها بين الجاليات والتجمعات الإسلامية في البلدان الغربية وغيرها أو في الدولة الإيرانية الراعية للإرهاب.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الإرهاب يتموضع في الفعل الإرهابي الدموي/ التدميري الأعمى والعبثي الموجه ضد المدنيين العزل والممتلكات والمصالح العامة والخاصة فقط؟ أم أن هناك إرهابًا «ناعمًا» أكبر وأخطر يطال غالبية دول ومجتمعات العالم وخصوصاً دول الجنوب أو بلدان العالم الثالث؟
من الواضح أن الخطاب المخاتل عن الإرهاب في الأدبيات الغربية السائدة يتحاشى ويتجنب الحديث عن الإرهاب الاقتصادي.
جاء في تقرير أصدرته منظمة النزاهة العالمية ومقرها الولايات المتّحدة ومركز الأبحاث التطبيقية بكلية الاقتصاد النرويجية، بعض المعلومات الصادمة. فقد أحصت كل الموارد المالية التي انتقلت بين الدول الغنية والدول الفقيرة كل عام، ليس فقط في شكل مساعدات واستثمارات أجنبية وتدفقات التجارة، ولكن أيضًا التحويلات غير المالية مثل إلغاء الديون والتحويلات بدون مقابل مثل تحويلات العاملين بالخارج وهروب رؤوس الأموال غير المسجّلة.
وما تمّ اكتشافه، أنّ الأموال المتدفقة من الدولة الغنية إلى الدول الفقيرة تتضاءل حجمًا أمام الأموال المتدفّقة في الاتجاه المعاكس في عام 2012، آخر أعوام البيانات المسجّلة، تلقّت الدول النامية إجمالي 1.3 تريليون دولار، بما يشمل المساعدات والاستثمارات والدخل من الخارج. لكن في نفس العام، تدفّقت 3.3 تريليون دولار من هذه الدول إلى الخارج. بعبارةٍ أخرى، أرسلت الدول النامية أموالاً تزيد ب2 تريليون دولار إلى باقي العالم عمّا تحصّلت عليه. وإذا نظرنا إلى كل السنوات منذ عام 1980، نجد أنّ صافي الفرق يصل إلى 16.3 تريليون دولار، وهي قيمة الأموال التي استنزفت من دول جنوب العالم على مدى العقود القليلة الماضية. ولإدراك حجم ذلك، فإنّ 16.3 تريليون دولار تساوي تقريبًا حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتّحدة.
ويذكر التقرير أن هذه التدفقات الكبير تتمثل في دفعات ديون. وقد دفعت الدول النامية 4.2 تريليون دولار في بند فوائد الديون فقط منذ عام 1980، في صورة تحويلات نقدية كبيرة إلى بنوك في نيويورك ولندن، وهي كمية من الأموال تتضاءل أمامها المساعدات التي حصلوا عليها في نفس الفترة. والمساهم الأكبر الآخر هو الدخل الذي يحقّقه الأجانب من خلال استثماراتهم داخل البلاد النامية ومن ثمّ تحويلها إلى أوطانهم. للحديث صلة..