آخر تحديث: 3 / 12 / 2024م - 7:35 م

مقال أدهش أديسون

ليلى الزاهر * صحيفة اليوم

لم يسعف ذلك الصُحفي الوقت فلم يستطع أن يصل للمخترع أديسون كي يجري معه حديثا صُحفيا فما كان منه إلا أن نشر وفِي اليوم التالي مقالا سماه: «أعظم مخترع في العالم» نسجه من خياله وصاغ ألفاظه على لسان أديسون فلما قرأ أديسون مقالته نعته مندهشًا: «بل أنت أكبر مخترع في العالم وليس أنا».

لقد عاب بعض النقاد أن يتكسب الكاتب من وراء قلمه، بينما شجع البعض منهم على أن تكون الكلمات التي أضاءت فكر الآخرين وبصّرتهم بأحوالهم ذات مردود ماديّ تعود لصاحبها. وبين هذا الرأي وذاك لا بد من ردم الهوّة التي تُقيّد أرباب الأقلام وتجانبهم طريق التوفيق والصواب وتبعدهم عن اللعب بالعقول، والتناقض المذموم. ومتى ما أمسك الكاتب بقلمه فقد وضع ثقل الكلمة فوق كاهله وكانت مهمته إنصاف العقول من ذويها، وربما جاءت مساهمته في تنظيره للأمور استحداث أجملها وإرسالها لخدمة المحتاج.

وبين متقبِّل ورافض لرأي الكاتب تظل قضيتنا عالقة باحترامك وتقديرك ما دام رأيك غير مخالف للعرف العام والحق الأبلج لأن اختلافي معك لا يعني أني عدوك.. يقول الكاتب فولتير: «إني أخالفك الرأي لكني مستعدٌّ للدفاع حتى الموت عن حقك في إبدائه».

وأنت واقف على منصة القلم الصادق لا بد أن تسترجع بذاكرتك المُنْصِفَة أقلاما مضتْ، شيدت العقول وأنشأت المدارك والفنون، قد وضعت لنا أرضية محكمة البناء وخرّجت القمم الشمّاء من الكتاب الأحرار، كانوا أصحاب مبادئ بعيدة عن مبادئ صاحب أديسون المذكور، كانت لهم رسائل مدويّة أحدثت ضجيجا في الكلمة ونظم السياق وأشاحت برشاقة عن المهترئ من المعاني والألفاظ.

وربما كان هناك صوت بداخلي وأنا أخطُّ هذه الكلمات يهمس بحب آسر لكاتبي الراحل مصطفى محمود فمنذ عرفته في دراستي الجامعية لم يكن إلا كضوء شمسٍ انعكس على قلمي ليُخرج أجمل ما عندي بل وعند الكثير. أما إذا أوغل الكاتب في قلب الحقائق، وتبني الفكر الضال فسيواجه تبعات ذلك وسيصبح قلمه أول متهم له قبل أن يقاضيه الآخرون؛ لأنه فقد المصداقية والصدق مع صاحبه، فأصبح حاضره صفحة بلا رونق يخلو من النضرة. يقول الإمام علي رضي الله عنه: «نُضْرَةُ الوجه في الصدق». وعندها لا يتساءل سائل عن غياب الكاتب المؤثّر عن الساحة الإعلامية الحديثة. من جهة أخرى لابد من وقفة إنصاف لأننا سوف نلتقط صورا زاهية لأعلام من كتابنا امتطوا ركب الكتابة الحقّة وعقدوا صداقات مخلصة مع أقلامهم فربحوا الاحترام وكسبوا العقول دون الالتفات لمقياس زمني بعينه، يكيل لجيل دون آخر. وما زال الكاتب العربي يحمل بصمة المسْعف لهموم وأوجاع وطنه وأهله ويرتقب اندمال الجروح المفتوحة حتى إذا انتهت ساعات جهاده خرج من الميدان وقد انتزع شيئا من الرضا عن الذات وشاهد أثرا ملموسا حتى ولو بعد حين فالأمور مرهونة بأوقاتها.