آخر تحديث: 6 / 12 / 2024م - 1:54 م

النجاح أو الساطور

هكذا كانت لغة التهديد التي وجهها طلاب جامعيون لأستاذهم، وهي تعبر عن فكر عدواني متطرف يود استحصال وبلوغ أمانيه وفق منطق البلطجة والعنف واستعراض القوة وزرع المخاوف في وجدان الطرف الآخر.

لا شك أن هذه الوقاحة والصلافة تقع في خارج دائرة القيم الدينية والاجتماعية والقانونية، والتي تدعو لثقافة الاحترام المتبادل ومراعاة حقوق الغير وتجريم أي لون من ألوان العنف اللفظي أو الجسدي، والمعاقبة الرادعة لكل من يتجاوز الخط السوي في التخاطب والتعامل، فالعلاقات الاجتماعية - فضلا عن العلاقة الخاصة بالأستاذ - لا تخضع لقانون الغاب والفوضى والمزاجية، فكما تخضع التجاوزات المالية المحرمة كالسرقة والسطو وغيرها للإنكار والعقاب، فإن التجاوزات غير الأخلاقية والتعامل السيء أمر غير مقبول، ولا يمكن السماح لأي كان بممارسته مع الآخرين.

والعزف على أيقونة التباكي على القيم واستذكار السياج القيمي المحيط بالمجتمع، واعتبار هذه الظواهر كحالات فردية لا ينبغي التوقف عندها كثيرا، هو تعمية وصم الآذان عن سماع صوت التحليل المنطقي لبيان حجم المشكلة الأخلاقية والاجتماعية وإدراك أبعادها وأسبابها، فهذه المؤسسات التعليمية بكل مراحلها تعج بحالات العنف بكل أشكاله، ونحن نعالج جهة العنف الصادر لا نغفل صدوره من المعلم أو الإدارة، ولكنه يحتاج إلى وقفة تأملية أخرى تفصح عن ماهيته ونتائجه، ولوضع الإصبع على الجرح لابد من دراسة العوامل المؤثرة فى شخصية الطالب، فتصرفاته الحسنة أو السيئة إنما هي نتاج البيئة الأسرية ولتعليمية والاجتماعية المحيطة به، كما أن الوسائل الإعلامية بما تعرضه من برامج ومواد تتجذر فيه كأفكار وسلوكيات تطفو على سطح تعاملاته، كما أن المسببات المتنوعة لترسخ العنف والعدوان كوسيلة يصل بها لمآربه تحتاج لدراسة وتحليل تفصيلي، بغية الوصول إلى مقترحات علاجية ناجعة.

العامل الأهم هو التربية الأسرية التي يتلقاها كتوجيهات وإرشادات تزرع فيه سلوكيات تخضع للقيم والآداب، ويرى من والديه وأفراد الأسرة ما يعزز التسامح والرقي في التعامل، فتغيب لغة الصراخ والغضب والتطاول بالأيدي.

ولنا أن نتصور ببداهة مستقبل طفل تربويا واجتماعيا وهو يعاني من حدة وقسوة من والديه في التعامل، وتغيب قيم الاحترام والهدوء في التخاطب والحوار، بل تسود لغة التهديد والوعيد والمشاحنات لأتفه الأسباب، لا شك أننا جميعا توصلنا لحقيقة مفادها: ترسخ العنف عنده كسلوك.

كما أن الحرمان العاطفي والإهمال يولد في الأبناء منذ الصغر لغة الحقد والكراهية والاضطراب النفسي وحب الانتقام، وهذا ما يحتم علينا الاهتمام ببيان مفاصل التربية الأسرية للطفل، وتنمية مفاهيم الاحترام والحوار بعيدا عن العنف.

وتعامل هيئة التعليم له دور مؤثر في توجيه سلوك الطالب ووأد العنف والعدوان منه، فأسلوب الخطاب مع الطالب والمتسم بالتعالي أو السخرية أو التوبيخ أو التجاهل سيولد مشاعر سلبية تجاه المعلم، فالاحترام والحقوق والهدوء في الخطاب والإنصات لحديثه، هي عملية متبادلة لا يمكنها أن تكون وازنة مع انتهاكها أو تجاوزها من أحد الطرفين.

والتكوين النفسي للشاب والفتاة في مرحلة المراهقة يتسم بالوضع الصعب، فهو يحاول إثبات وجوده ولا يقبل أي تعد أو تصرف يشم منه رائحة الانتقاص، كما أن حالة الغضب السريع عنده تحتاج التي تجتاحه تحتاج إلى مقابلتها بهدوء ومحاولة إرجاعه إلى وضعه السوي، فردة الفعل العنيفة تجاهه ستؤجج الوضع وتسبب مشاحنات معه، والأهم أنها لن تردعه أو تهذب سلوكه، فسعة الصدر والصبر على أخطائه وتقصيره مع توجيهه ونصحه هو مفتاح العلاقة الناجحة معه.

والوسائل الإعلامية بما تعرضه من مواد تحتوي على مقاطع العنف والحوارات الساخنة والتخاطب مع الغير بالصراخ فيوجهه، تنمي في الأبناء حالة العدوانية والعنف تقليدا لما يرونه، بل ويشعر بقوته عندما يتعامل بأسلوب خشن.