آخر تحديث: 14 / 12 / 2025م - 11:08 م

زيارة إلى دار المسنين

عباس سالم

في يوم من الأيام دخلت دار المسنين لزيارة من عاشوا الحياة وسبقونا بما فعلته همومها وآهاتها في تغيير ملامح أجسادهم، استأذنت وزرت الدار وسلمت على نازليها، ثم أسندت ظهري إلى أحد جدرانها وسرحت بفكري قليلاً وسط الآهات، وسألت نفسي: ”أهذه هي نهاية الحياة التي نتصارع من أجلها؟!“.

مشيت قليلاً في الممر وأنا أنظر في بعض الوجوه التي غيرت ملامحها هموم الحياة، وزادها همًّا الغربة والوحدة بين الجدران في هذه الدار، فسألت نفسي: أهذا هو جزاء الوالدين من بعض أولادهم؟، وضربتُ كفًّا على كفٍ ومشيت إلى سيارتي وأنا مطأطِئ الرأس مردداً ”لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم“، ودعوتُ الله تعالى أن يكون في عون هؤلاء الناس الذين ابتعدت عنهم رحمة الأولاد..!!

وأنا في سيارتي سألت نفسي: ألم تكن لهؤلاء الناس ذرية من الأولاد والبنات أو الأهل؟ وهل زاروهم منذ أسبوع، منذ شهر، منذ شهرين، منذ سنة، منذ سنتين أو أكثر؟ أم أن هذا هو جزاء من تحمل المشقة والتعب من أجل أن ينعم الأولاد بالعز والدلال؟، ولا أظن بأن أبًا أو أمًّا يطيب عيشهم من دون أولادهم، فحبست أنفاسي قليلاً وقلت ربما لم يكن لبعضهم ذرية من الأولاد والبنات، فجاؤوا بهم إلى هذه الدار لتكون لهم نهاية الحياة!.

إن أكبر أمنية يتمناها الإنسان في هذه الحياة هي: أن تكون له ذرية صالحة من الأولاد ليكونوا سندًا لهم عند الكبر يبرونهم ويزورونهم، لا أن يتخلوا عنهم بعد أن يكبر عودهم، فماذا جرى لكم أيها الأولاد والبنات الذين كنتم في شبابكم رمزًا للعز والدلال بوجود والديكم؟ يا إلهي ماذا يجري في هذا الزمان؟ أنتِ أيتها البنت هل أنساكِ الزوج وتربية الأولاد والبيت بر والديك؟، وأنتَ أيها الابن هل أنستكَ الزوجة والأولاد بر والديك؟ أفيقوا من هذا السبات قبل فوات الأوان.

إن قبلتم بإدخال أبٍ أو أمٍّ لكم إلى دار المسنين فلا تنسوهم من الزيارة، تعالوا لهم فهم ينتظرون منكم زيارة أو دعاء يخلصهم من هذا المكان، كثيرون هم الذين أكلوا بملاعق من ذهب بين والديهم وعرفوا معنى العز والدلال، وكم جلس الوالدان عند أسرّتكم وأنتم نائمون عليها كي تنعموا بنوم هادئ، ألا تعلمون أن الحب والوفاء والإخلاص عبادة؟ وبر الوالدين حتى بعد مماتهم عبادة؟ فكفّروا عن ذنوبكم ولا تكونوا جاحدين، فلو فتشتم في جسد والديكم لرأيتم صوركم محفورة بين ضلوعهم!

في أرجوحة الحياة، لا شيء يبقى كما هو، ولا أحد يبقى في الأعلى دائمًا ولا في الأسفل إلى الأبد، كلنا نتأرجح بين لحظات قوية وأخرى هشة، لكن من يُحسن التوازن يعيشها برضا وسعادة مهما تأرجحت به الحياة، ولهذا احذروا الشيطان وكيده فإنه يجعلكم من العاقّين لوالديكم، وتنظرون النظرة الماقتة والحادة لهما، وترفعون صوتكم عليهما، ولعل النوبة تصل ببعضكم لضربهما.

وفي الختام: يحكى أن رجلاً كبيراً في السن ذهب لمحل تصليح الهواتف للكشف عن هاتفه، فأخبروه بأنه سليم، فبكى بحرقة وقال: ”لماذا لا يتصل بي أحد من أبنائي؟“... سؤال في قمة الوجع لدى الكثير من الآباء... وفهمكم كفاية.