حين يكون الألم طريقاً إلى الله
مع اعتدال الجو يحلو الخروج إلى المتنزهات.
اتفقت سارة مع صديقتها رجاء أن تلتقيا صباح الاثنين عند نقطةٍ ما على الكورنيش.
وفي صباح ذلك اليوم، أكمل الهواء العليل جمال الصباح، ونشرت الشمس أشعتها بكل دفءٍ وحنان، معلنةً بداية يومٍ جميل. وكان منظر الطيور المحلّقة بخفّة في السماء الصافية كأنها لوحةٌ فنية تمنح الروح طمأنينة وسلامًا.
وصلت سارة قبل الموعد بدقائق، وتبعتها رجاء بعد لحظات قليلة. وبعد تبادل التحايا، اقترحت سارة أن تبدآ رحلتهما بالمشي لساعة من الزمن.
ابتسمت رجاء وأجابت موافقةً:
”نعم، إنه يوم مختلف، وأجواؤه تساعد على المشي… ثم إن وجودك معي يجعل الطريق أطيب ولا أشعر معه بالتعب“.
فبدأتا خطواتهما بحماس، وانطلقتا معًا ترددان: توكلنا على الله.
كان البحرُ، بزُرقة مياهه، كأنه يعانق السماء في صفائها، وكانت أمواجه الهادئة تعزف أنغام الصباح، تستمع إليها الأرواح المتعبة فتزيل ما بها من ألم.
رجاء: يحمل البحر في أعماقه خفايا مدهشة، يقصده كلُّ من أثقله الهم أو أرهقه الشوق أو ضاق به الفقر، ليعود منه وقد وجد ضالته.
• سارة: سبحان الله! ما أبدع صنعه!
• رجاء: انظري يا سارة إلى ذلك القارب الصغير الذي يبحر هناك.
• سارة: نعم! كأن بينه وبين البحر صداقةٌ متينة، تحلو برفقة الأيام.
تنهدت سارة، كأن أنفاسها تحمل طعم الألم، وقد خطرت ببالها ذكرى موجعة.
قالت بصوت حزين:
”كم هي جميلة الصداقة التي تحمل في معانيها الوفاء والحب…“
واسترسلت تتحدث بمرارة، تتذكّر أيامها مع صديقتها المقرّبة التي رافقتها منذ الطفولة حتى الشباب.
"كانت أيامًا مفعمة بروح الصداقة والمودّة. كنّا نتقاسم الفرح والألم، ولا يمر يوم إلا ونلتقي. كانت تشاطرني الهم وتشاركني البهجة.
ثم جاء يومٌ ليس كغيره… انقلبت فيه الموازين، وكأن عينًا حاسدة أصابتنا، فتفرّقت الصحبة فجأة، وكأن شيئًا لم يكن".
• رجاء: ما الذي حدث بينكما؟
سكتت سارة قليلًا، كأنها تبتلع غصة عالقة في حلقها.
• قالت رجاء بلطف: ”لا أريد التدخّل إن كنتِ لا ترغبين بالحديث“.
• سارة: ”بل الحديث معك يريحني“.
• رجاء: ”هل حدث خلاف بينكما؟“
• سارة: ”أبدًا… لم يحدث أي خلاف“.
• رجاء: ”لا يُعقل أن علاقة بهذه القوة تنتهي فجأة!“
• سارة: حدث موقف كلما تذكرته تألمت.
”انضمت لرفقتنا صديقة جديدة… وكنت لا أرتاح لتصرفاتها. وعندما أخبرت صديقتي بذلك…“
«سكتت، وبرقت عيناها وجعًا لما ستقوله»
• رجاء: ”سارة… هل أنتِ بخير؟“
• سارة: ”نعم، ولكن كلما تذكرت ما حدث أشعر كأن سكينًا تُغرس في قلبي“.
• رجاء: ”إلى هذا الحد؟“
• سارة: «لقد ذهبتْ…» وارتفعت نبرة صوتها قليلًا.
فأشارت إليها رجاء بنظرةٍ معاتِبة، كأنها تقول: انتبهي، فهناك رجالٌ بقربنا.
ثم همست لها قائلةً: «اخفضي صوتك لئلا يصل حديثك إليهم».
فأومأت سارة برأسها، مستجيبةً لصديقتها رجاء.
وقالت: ”لقد ذهبت وأخبرتها أنني أتحدث عنها بسوء! واتفقتْ معها أن نذهب نحن الثلاثة إلى الصف، ثم خرجتْ وأغلقت الباب خلفها، وأخذتْ تؤنبني بحدّة. كان موقفًا قاسيًا… ومحرجًا للغاية“.
• رجاء: الفتنة أشد من القتل.
أمسكت رجاء بيدها وقالت:
"حبيبتي سارة…
الله تعالى يجعل لكل موقف، ولكل شخصٍ يمرّ بنا، حكمةً ما. وجودك في حياتها كان لسبب، ووجودها في مرحلة من حياتك كان درسًا وعبرة.
الحياة تعطينا الكثير من الدروس، والأهم أن لا نبقى أسرى للجراح، فنغفل عمّا تعلمناه منها.
بلا شك، كان لكِ أثر في حياتها، ولا بد أنها تشعر الآن بالخجل من تصرفها.
والمواقف مثل هذه تُصقِل النفس، وتجعل الإنسان أقوى وأكثر ترويًا.
فالله سبحانه يريد لنا الخير دائمًا، وقد كشف لك حقيقة صداقتك معها. فمهما بدت قوية، فقد كانت هشة من الداخل وغير صادقة.
وجود الناس في حياتنا له أثر، سواء كان طيبًا أم مؤلمًا. المهم أن نظل مظهرًا لحسن الخُلق، وأن نخرج من التجارب بفهمٍ أعمق وإدراك أكبر.
فكل صداقة - جميلة كانت أم مرة - هي تجربة تبني داخلنا صبرًا وشجاعة وهمّة".
• سارة: نعم، لقد شعرت بالانكسار والخذلان من تصرفها معي.
• رجاء: اعلمي أننا في هذه الحياة غاية وهدف، فلا تنشغلي بهذه الذكرى المؤلمة عنه.
اجعلي هذا الحدث هو الجسر الذي يقرّبكِ إلى الله، لا الجرح الذي يبعدكِ عنه.
• سارة:
«لقد مرّت الساعة سريعًا، وها نحن نصل إلى نهاية المطاف.
سعدتُ كثيرًا برفقتكِ في هذه الأجواء الجميلة،
وأسعدني أكثر ما قلتِه من كلماتٍ لطيفة غيّرت نظرتي لما جرى معي.
شكرًا لكِ يا عزيزتي،
وأتمنى أن نكون ممّن يُدخلون السرور على قلوب من حولهم،
وينثرون الجمال في نفوسهم».
• رجاء: «اللهم آمين، ربّ العالمين».













