خواطر امرأة تخلّت عن اسمها
الأيام تمرّ بعد وفاة سيدة نساء الدنيا، فلم يكن له خيار سوى الزواج. بدأت تباشير الفجر تشقّ الطريق برحمة إلهيّة تنفذ إلى منزل السيدة فاطمة الزهراء عندما اتّجه أمير المؤمنين إلى أخيه عقيل.
قال له: يا عقيل، يا نسّابة العرب، يا عارفًا بأخبارهم، انظر لي امرأة قد وَلَدَتْها الفحولة من العرب لأتزوجها؛ فتلد لي غلامًا فارسًا.
أبصر عقيل في صحراء العرب، في الوهاد والتّلال، وصمته لفّ بلاد العرب يبحث عن امرأة كُفْءٍ للأمير «أو صنو الأمير كما في الأصل»، فقال له:
- أخي، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابيّة؟ فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها.
وجد الأمير ضالته عندما ذُكرت فاطمة الكلابيّة.
هي الزوجة الشجاعة المُنجبة لليوث الغاب!
دخلت على أسرة تجودُ بنفسها من أوجاع فقْد الأم والزوجة، ولا عجب أن تُجنّد هذه المرأة نفسها لخدمة الجميع في هذا المنزل المبارك، فكيف لها بقطف ثمار الجنة إلّا من خلالهم؟!
بيت فاطمة وعلي فرصة ثمينة للتّعلق بأشجار الجنان، سوف تثمر حياتها في هذا البيت العلويّ.
ما هذا الكرم الإلهيّ؟
كيف لي أن أُصبح وأمسي وأمشي في مكان كانت بنت رسول الله - صلّى الله عليه وآله - تقطعه ذهابًا وإيابًا؟!
هناك فروع جديدة سوف تضاف لهذا البيت المبارك، سوف تُطاولُ السّحاب ويعلو صيتها بصيت السيدة أم البنين.
فروع علي وأم البنين:
العباس وعبدالله وعثمان وجعفر.
مضوا مع أخيهم الحسين..
هكذا أرادت أم البنين التّضحيّة من أجل أخيهم، بل كان إمامهم.
انفتحت في أعماقها كوّة أبصرتهم جبالًا يذودون عن الحسين بن فاطمة.
نطق العباس بخلاصة تربية أمّه له فقال:
«والله إن قطعتم يميني... إنّي أحامي أبدًا عن ديني… وعن إمام صادق اليقين»
اسمها فاطمة الكلابيّة لكنها رفضت اسمها، تخلّت عنه! وأيّ سبب يفرض على الإنسان أن يتخلّى عن اسمه؟
بعضهم لا يُحبّ اسمه، لكنها تعشق صاحبة هذا الاسم التي تسمّت به قبلها، وقد أقبلت على أميرها برفقة تلك الدموع.
طلبت منه ألّا يناديها باسمها «فاطمة»:
- لا تنادِني فاطمة!
ربما هي غيرة امرأة من امرأة!
كلا، حاشا أم البنين!
أوليس حبًّا لبنت رسول الله أن تتشرف أم البنين بمناداتها بفاطمة؟
مواقفها النبيلة بدأت تتّضح بسرعة شديدة، قالت ببسالة وإيثار:
- لا تنادوني فاطمة خوفًا على مشاعر أبناء الزهراء الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
أخبارها كثيرة ولكن ضاع مفتاح ذاكرتها، ونسيت أولادها عندما جاء بِشْر بن حُذلم ناعيًا أبناءها بعد واقعة كربلاء، بعد أن عرّف نفسه واستأذنها، فقال الكلمات المشهورة:
«عَظَّمَ اللَّهُ لَكِ الأجْرَ يا أُمَّ البَنين»
فقالت له أم البنين وقد علمت أنه يحمل خبراً عن أولادها:
«أخبِرني عن وَلَدي الحُسَين»
مضت وما زالت تقول: "أجبني يا بشر:
هل ما زال العباس في حضن الحسين؟
هل توقفت نواعي الحسين؟"
فأنا أبصرُ الحسين يربّت على كتف العباس ويواسيه، فقد قطعوا كفيه في معركة دام فيها مدادهما ساطعًا لا يخبو نوره.













