آخر تحديث: 14 / 12 / 2025م - 11:08 م

كيف نستلهم وفاء وولاء أصحاب الإمام الحسين (ع) في بيئة العمل؟

محمد يوسف آل مال الله *

في كل زمان، يظلّ ولاء أصحاب الإمام الحسين واحدًا من أنقى صور الوفاء الإنساني: ولاءٌ لم يكن مبنيًا على مصلحة، ولا على خوف، ولا على تبعية عمياء؛ بل كان ولاءً نابعًا من قلبٍ يعرف الحقيقة، وعقلٍ يميز العدل، وروحٍ تلتزم بالقيم قبل الأشخاص.

وحين ننظر إلى عالم المؤسسات والمنظمات اليوم، بكل ما يفرضه من تنافسية وضغوط ومعايير أداء، نجد أن استلهام هذا النموذج يمكن أن يعيد تعريف معنى الولاء المهني بشكل أكثر إنسانية وعمقًا.

1. الولاء يبدأ من وضوح المعنى:

عرف أصحاب الإمام الحسين عليه و لماذا كانوا معه. وضوح الحق جعل المسار واضحًا، حتى لو كان الطريق صعبًا.

وفي المنظمات، حين يفهم الموظف ”لماذا“ يعمل، وما الرسالة التي يحملها، وما الغاية التي تتجاوز تفاصيل الوظيفة، ينشأ ولاءٌ حقيقي يتخطى الراتب والامتيازات.

المؤسسة التي لا تقدّم معنى، لا تستطيع أن تبني ولاء.

2. الولاء اختيار… لا إجبار:

لم يُجبر الإمام الحسين أحدًا على البقاء معه. بل قال لهم بصراحة: ”هذا الليل. أمامكم فاتخذوه جملا“

ومع ذلك بقوا.

وفي المؤسسات، لا يُبنى الولاء من خلال الضغط أو السيطرة أو الإكراه، بل من خلال خلق بيئة تجعل الفرد يختار البقاء لأنّه يرى قيمته، ويشعر بانتمائه، ويحترم ما تمثّله المؤسسة.

3. الثقة هي سرّ العلاقة؛

الثقة بين الإمام الحسين وأصحابه لم تكن ثقة سياسية، بل ثقة روحية وإنسانية. كانوا يعرفون أنّه لن يظلمهم، ولن يخون قناعاتهم، ولن يساوم على الحق.

وفي بيئة العمل، الثقة هي العملة الحقيقية للولاء. الموظف يخلص لقائد يراه عادلاً، صادقًا، أمينًا في وعوده، ومتواضعًا في سلطته. فالولاء لا يُشترى، بل يُكتسب عبر الممارسة اليومية.

4. الإلهام قبل الإدارة:

لم يكن أصحاب الإمام الحسين جنودًا، بل كانوا أصحاب رسالة، وقد قادهم الإلهام قبل القرار، والإيمان قبل التعليمات.

وفي المؤسسات، فإنّ القائد الملهم يصنع ولاءً أقوى من القائد الإداري، حيث يلهمهم برؤيته، بصدقه، بقدوته، وبقدرته على أن يجعل كل فرد جزءًا من نجاح أكبر من نفسه.

5. الولاء يُختبر في الأزمات:

قيمة أصحاب الإمام الحسين ظهرت في أشدّ وقت، عندما تقلّص العدد، وضاق الأفق، واشتدّ الخطر. هناك يُعرَف نوع الولاء.

وفي المؤسسات، الأزمات تكشف المعادن؛ الكلمة الصادقة، الموقف الجماعي، والروح المتماسكة، كلّها مؤشرات لولاء أصيل. الفريق الذي لا ينهار في الشدائد هو الفريق الذي بُني على قيم، لا على مصالح.

6. الولاء مسؤولية لا عاطفة:

أصحاب الإمام الحسين لم يتبعوه لأنّهم يحبونه فقط، بل لأنّهم رأوا في موقفه موقفهم، وفي قضيته قضيتهم.

في المؤسسات، الولاء ليس مجرد شعور جميل تجاه المكان، بل هو مسؤولية؛ يحافظ الفرد فيها على سمعة مؤسسته، يؤدي عمله بإتقان، يسهم في تطوير البيئة المهنية، وأن يكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة.

7. الكرامة… أساس كل ولاء:

كان أصحاب الإمام الحسين يعرفون أنّ الوقوف معه هو دفاع عن كرامتهم وكرامة الأمة، ولذا كان ولاؤهم ثابتًا.

وفي العمل، الموظف لا يخلص لمكان يجرّد كرامته. فالمنظمة التي تحترم إنسانية موظفيها، تحفظ لهم مكانتهم، وتتيح لهم فرص النمو هي المنظمة التي تُكافأ بولاء صادق وعطاء طويل الأمد.

من خلال هذه القراءة نجد أنّ كربلاء ليست حدثًا، بل مدرسة في الولاء والوفاء الإنساني.

المنظمة التي تريد ولاءً حقيقيًا لا تحتاج إلى شعارات، بل تحتاج إلى بناء ثقافة تشبه كربلاء القيم؛ ثقافةٌ تقوم على الصدق، والعدل، والإلهام، والمسؤولية، واحترام الإنسان.

عندها فقط يصبح ولاء الموظف قيمة، لا اسمًا على بطاقة الحضور، ويصبح الانتماء خيارًا نابعًا من القلب، لا عقدًا مكتوبًا على الورق.