نار تلتهِم
ورد عن الإمام الباقر
: «إن الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب» [الكافي ج 2 ص 62 ].
من أعظم الصفات الأخلاقية استقباحا صفة الحسد التي إن تمكّنت من الإنسان حوّلته إلى كتلة ملتهبة تُدمِّر كلّ ما حولها، مبتدئة بنفسه هو إذ يعيش حالة من الاحتراق الداخلي كلما رأى خيرا عند غيره أو نعمة أنعمها الله على عباده وهو - بحسب اعتقاده - محروم منها.
الإنسان الذي تتمكّن منه هذه الخصلة الذميمة نراه دائما في وضعية مراقبة للآخرين حتى أقرب المقرّبين إليه كإخوانه وأحبته، لا يستطيع أن يهنأ ويستمتع بحياته؛ لأنه منشغل بمتابعة كل خير يراه عند غيره فقلبه مشغول دوما، مما يسبِّب له شيخوخة مبكرة لقلبه فقد أتعبه بتتبّع الآخرين وتمنّي زوال النعم عنهم لاعتقاده بأنهم لا يستحقون تلك النعم، ولماذا هو لا يمتلك مثلها سواء كانت نعمًا مادية أو معنوية.
فإن رأى خيرا ماديا عند غيره استكثره عليهم، وإن حظي غيره بخيرات معنوية كالحضور الاجتماعي ومحبة الآخرين حاول انتقاصهم وخفض مكانتهم وتتبع عثراتهم لإسقاطهم، كل ذلك حسد وحقد مما يجعل قلبه يدخل في مرحلة الشيخوخة المبكرة، ويسلبه الفرح والاستئناس بمباهج الدنيا وملذّاتها المباحة، فيدخل شيئا فشيئا في دائرة ضعف الإيمان والبعد عن الله عز وجل ويفسد عبادته بهذه الصفات الذميمة، وهذا معنى تشبيه الإمام الصادق
الحسدَ بالنار المشتعلة في الحطب.
وعلى العكس من ذلك فالإنسان قوي الإيمان والمفعم قلبه حبّا للآخرين يتمنى لهم كل خير ويعيش حالة من الطمأنينة والراحة النفسية؛ لأنه يعلم أنّ الله هو المعطي وأن كل شيء من الله هو خير لعباده، سواء ظهرت صورته نعمة أو نقمة فهو يؤمن بأن النعمة من الله خير، إن أعطاه الله تعالى سعة في العيش وراحة بال ومحبة الناس فهو خير، وإن ابتُلي بالمرض أو الفقر أو العزلة فهو كذلك خير من الله تعالى، لذا نراه مطمئنا وإيمانه ثابت راسخ لا تزعزعه النوائب والمصائب أو الحرمان من النعم.
ومن ابتُلي بآفة الحسد ويرغب في الخروج منها بسلام لابدّ أولا أن يمرّن روحه ويدرّبها على الرضا والتسليم المطلق لله عز وجل، وأن يكون لديه إيمان راسخ بأن الله تعالى هو مدبّر الأمور وواهب العطايا، ويتقبل الواقع الذي يعيشه ولديه يقين بأن النعم الظاهرة ليست كلّها خيرا له، فلو كانت خيرا مطلقا لما منعه الله سبحانه وتعالى عنها، فهو الخبير بعباده يُسيِّر النعم حسب مقتضى مصلحة عباده والتي تخفى عنهم.
قد تكون بعض النعم مُفسدة لنفسه تجعله متعلّقًا بالدنيا، مما يدخله في دائرة الذنوب والمعاصي، وهناك يقع في الهاوية التي قد لا يستطيع النهوض منها.













