آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

طب الأسنان.. وهندسة التشغيل

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

في السنوات الأخيرة، ظهرت أصوات لأطباء أسنان تخرجوا بعد سنوات من الدراسة، ثم وجدوا أنفسهم خارج دورة العمل. ومع تلك الأصوات ظهرت وجهة نظر أخرى لا تقل صدقًا: مرضى يبحثون عن مواعيد، قوائم انتظار طويلة، ومراكز تعمل بطاقتها القصوى.

كيف نجمع بين مشهدين متناقضين؟

لا بطالة بلا فائض، ولا قوائم انتظار بلا نقص. ومع ذلك، الاثنان حاضران في قطاع واحد.

هذه المفارقة تستحق قراءة أعمق بعيدًا عن ردود الفعل، لأن المشكلة ليست «عدد خريجين»، وليست «تقاعس جهة»، بل قضية مرتبطة بتصميم الخدمة نفسها، وطريقة تشغيلها، ونموذج توزيعها في البلاد.

أولاً: فجوة بين التعليم والتشغيل

لا خلاف أن التوسع في كليات طب الأسنان مكّن الآلاف من الحصول على فرصة دراسية في تخصص مرغوب. لكن هذا التوسع التعليمي لم يتحرك معه الجانب التشغيلي بالسرعة نفسها.

من أهم الخطوات التي اتُّخذت محليًا تفعيل الدوام المسائي في بعض مراكز الأسنان الحكومية. خطوة جيدة من حيث المبدأ، لكنها لم تحل الأمر. لأن إضافة ساعات عمل لنفس الفريق، دون إعادة توزيع للمهام أو إدخال نماذج تشغيل مرنة، ينتهي بتعب الكادر من دون زيادة جوهرية في الإنتاجية. هذا النمط شائع في الأنظمة التي توسِّع الزمن قبل أن توسِّع النموذج.

ولو عدنا لتجارب دول مثل بريطانيا، نجد أن الحل لم يكن في زيادة ساعات العمل، بل في إدخال نماذج مثل: الدوام الجزئي. العمل بالساعات. توظيف خريجي الأسنان في برامج الوقاية المجتمعية. إعادة تصميم مسار المريض داخل العيادة، وتقليل الوقت الضائع بين الخطوات. هذه النماذج رفعت القدرة الاستيعابية دون إرهاق الأطباء أو خلق تضخم في التكاليف.

ثالثًا: القطاع الخاص. في سوقنا المحلي، لا يزال الطبيب الشاب يواجه تحديات: تكلفة التجهيز، اشتراطات الترخيص، متطلبات الخبرة، ومنافسة الممارسين الوافدين الذين يفضّل بعض المستثمرين التعاقد معهم بنماذج تقليدية.

بالمقابل لو ابتكرنا نموذجًا يسمح للطبيب السعودي بالدخول التدريجي لسوق القطاع الخاص، مثل العيادات المشتركة، أو العقود المدعومة، أو تصنيف عيادات الأسنان الصغيرة ضمن «المنشآت الصغيرة والمتوسطة» لكان الوضع مختلفًا تمامًا.

رابعًا: إعادة توزيع الخدمة جغرافيًا. لا يمكن تجاهل إشكالية التمركز الحضري للخدمات.

معظم عيادات الأسنان في المدن الكبرى، بينما تظل المناطق الطرفية أقل حظًا.

خامسًا: وزارة الصحة قدمت برامج وقائية مهمة مثل: الفحص المدرسي. حملات الفلورايد. إدراج صحة الفم في العيادات الأولية. التوعية بالكشف المبكر. هذه مرتكزات صحيحة، لكنها لم تتحول بعد إلى بنية تشغيل تستوعب قدرات بشرية ضخمة.

الوقاية ليست حملة موسمية؛ هي نشاط مستمر يمكن أن يخلق وظيفة، ويبني مسارًا مهنيًا، ويقلل تكاليف العلاج مستقبلاً.

الحلول:

1- تأسيس «خدمة الأسنان الوقائية الوطنية»

برنامج مستدام يضم خريجي الأسنان للعمل في المدارس، والجامعات، والزيارات المنزلية، والعيادات المتنقلة.

2- إطلاق نماذج العمل المرن

3- دعم العيادات الصغيرة والمتوسطة. قروض، حاضنات صحية، مساحات مشتركة للعيادات، ونماذج شراكة بين أطباء شباب ومستثمرين.

4- إعادة الهندسة التشغيلية لعيادات الأسنان الحكومية

هذه الخطوات تعالج قوائم الانتظار دون رفع ساعات العمل.

5- ربط القبول الجامعي بخطط التوظيف الوطنية

من أبسط مبادئ الاستدامة:

إذا زاد العرض عن الطلب، تُراجع الأعداد حتى يستقر السوق.

الخلاصة:

حين نعيد هندسة التشغيل، ونمنح الوقاية دورها الحقيقي، وندمج الخريجين في منظومة واضحة، سيتوازن المشهد: مرضى يجدون موعدًا، وأطباء يجدون وظيفة، ونظام صحي يستثمر موارده بدل أن يتركها معلّقة على هامش الانتظار.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي