آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

حميد الفعل محمود الثناء

سلمان محمد العيد

حميد الفعل محمود الثناء

تراءت في الدنى آيات حزنٍ
وقد جار الظلام على الضياء

وهبّت بالديار رياح موتٍ
وآب القادمون إلى التنائي

وكلٌّ قد دهاه اليوم أمرٌ
فما أحدٌ يتوق إلى لقاءِ

وأشربت الربوع بكلّ داء
فقد يئس المريض من الشفاءِ

وكم يعلو البلاد جموح خوف
من القدر المحتّم والقضاءِ

وكل سفينة في البحر تمضي
وكم تخشى التقلّب بالهواء

رهاب الرعب طال الناس جمعا
فهذا الموت ينذر بالفناء

لكم يكسو السواد حراك قوم
وأتعبها الركون إلى العناء

وجيب القلب يرعد حين يحكي
وينبض بالأسى والإبتلاء

من الأعماق قد ذرفت دموع
لتظهر في الخدود كنهر ماء

وقد ارتفع النحيب مع حداء
ولا يعلي النحيب سوى الحداء

وجات موجة الآهات تسعى
كما يسعى الغريب إلى الفِناء

فما من بقعة إلّا وحنّت
يدوّي مثل أسراب القطاءِ

وكان الحزن في الأرجاء سيفا
يقطّع ما يليه من الرخاء

يحارب نسمة الأفراح لكن
بحسم صادم صلد مضاء

فكم يحوي التراب رفات عز
وكم يحوي جثامين الإباء

لكم أخفى الثرى أسرار قوم
بقت دهرا أسيرات الخفاء

فيا نفسي التي قد ذبت حزنا
كفاك من الحنين بلا رجاء

أناشد مقلتي: ”كفّي دموعا“
فقد خلطت دموعي بالدماءِ

فقد خطف الجمال وما علينا
سوى رفع اليدين مع الدعاء

فقد كشف الغطاء بكل صوب
فما هاوٍ يتوق لوصل نائي

لقد كشف الغطاء وقد غدونا
نحاكي الريح عن حبك السماء

فقد تغدو الحياة بغير معنى
إذ صار البقاء كما الفَناءِ

إذا صار البهاء رهين قبر
فهل نحظى بشيء من بهاءِ

يحق لنا بأن ننعى حميدا
يشرّف إسمَه ربُّ السماء

وذي تاروت قد لبست رداها
تجلي الحزن في حسن الرّداءِ

وغادرها بهذا اليوم بدر
ببعض القسر أو بعض الجفاء

وتذكر صادق الأقوال حقّا
”حميد“ الفعل، ”محمود“ الثناء

عفيف النفس مرضي السجايا
كبير في المقام وفي العطاء

تحوط مقامه آيات حسن
يخالط بالسنا نور البهاءِ

معاني الحسن في معناه تبدو
لترفل من حريره والسناءِ

معان قد سمت حتى تولّت
وقد ضاع التفاؤل بالبقاءِ

فما جدوى الحياة إذا دهاها
جموح الحزن من داءٍ وداءِ

فهل نبغي الحياة وقد تردّت
وغاب ضياؤها عن كل رائي

إذا جزعت على هذا نفوس
فهي تنعى المعالي باكتواءِ

وإن تبكيه أو ترثيه أرض
فما تبكي سوى رمز النقاء

يروم العزّ دوما باقتدار
ولا يرضى التزلّف بالثناء

كريم قد علا لكنْ علاه
خفيٌّ قد توارى بالغطاء

رشيدٌ قد تزيّا في سخاء
فما أحلى التجمّل بالسخاءِ

”أبا مقداد“ لم أرجُ مقاما
أكون لك المعبّر بالرثاءِ

فوالله العظيم أنا صغيرٌ
تضاءل موقفي وخبا ثنائي

وخار تجلّدي مذ جال فكري
إلى من ذاب حبا في الإخاء

تخاطب دمعتي قلبي كثيرا
وحالي لم يطق رسف الشقاءِ

وكم تقسو الدموع إذا تلتها
نداءات تملُّ من النداء

وكم تجلي الدموع أنين روح
إذا حلّت بها كتل البلاء

ولكن الدموع تجف إذ ما
يزيد بها البكاء على البكاءِ

إذا ضاق الرحيب على ضعيف
يعجل بالمسير إلى الفناء

وإن صار النحيب رفيق قوم
ليغدو البشر رملا في هواء

فهل يغدو الربيع بنا ربيعا
إذا ما الورد صار على الوطاء

يغادرنا الربيع إذا دهانا
ضمور في اليقين وفي الرجاء

فما يرجى الجمال إذا تداعت
ليالي الصيف في فجر الشتاء

فيارب العباد عليّ أرفق
وألهمني التصبّر في البلاءِ