آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

”دنيا صغير“

المهندس أمير الصالح *

كم عدد الهنود «البنغال / الباكستانيين» المتواجدين في الحي الذي تعيش فيه؟ وفي المدينة التي تعيش فيها؟ والدولة التي ترعرت فيها؟ وحول العالم حاليًا؟

قد تقول: هذا أمر لا يهمني إطلاقًا؟

شخصيًا عندي قراءة أخرى، بالذات إذا عرف الإنسان أن حيه ومنطقته ومدينته هي مناطق آخذة بالتأثر الشديد بالوجود الهندي والذي أخذ يُعرف بالشتات الهندي The Indian Diaspora.

الحوار:

لا عجب أن ترى عدة بقالات متناثرة في حي واحد يديرها هنود وبكفاءة عالية جدًا. كوني مطوّر نماذج عمل business model, حاولت أستقرأ نموذج البقالات التي يديرها الهنود من منطقة كيرلا، كنموذج ناجح وفعال لإدارة الأعمال الصغيرة. فوجدت أن الجالية الهندية الوافدة من منطقة واحدة يبنون بنك معلومات للمنتجات المتوفرة بالسوق عند المنافسين وجودتها وأماكن توافرها وأسعارها وطرق جلبها بأقل الأسعار وأسرع وقت. ولذا قد تلاحظ أنك إذا مررت على بقالة هندي مرتبط بأبناء جلدته وسألته عن شيء ما، فإنه لا يقول لك ”غير موجود“، وإنما يعقد اتصالًا بالرجل المركزي «بالعقل المركزي» لإدارة مجموعة البقالات والمطلع على السلع وأسعارها وأماكن توفرها، ثم يجيبك البائع بأن السلعة نفدت الآن وستكون متوفرة يوم غد أو بعد غد. وبالفعل يجلبها بعد اعتمادك للطلب. هكذا تسهيل في جلب ما تريد جعلك لا إراديًا تزور ذات البقالة عند احتياجك لسلعة ما وبشكل تلقائي وتنفر من السوبر ماركت الذي لا يوفر السلع التي تريدها.

ليس هذا فحسب بل إن البائع الهندي النشط يسعى لاكتسابك وخدمتك وإيصال مشترياتك لسيارتك أو باب دارك! وتتطور العلاقة فترى الذي يبتاعك السلع يستشعر بالحديث معك عن احتياجاتك الأخرى لأعمال الصيانة من سباك أو كهربائي أو مهندس انتركوم، فيبادر بالترويج لأحد معارفه من أبناء جاليته ممن يقومون بتلك المهام المدنية. فتشعر بعد حين أنك مُحاط بكماشة مكونة من صباغ هندي وسباك هندي وحداد هندي وقائد ليموزين هندي ومطعم هندي وموصل الطرود هندي وعامل صيانة كمبيوتر هندي وبستنجي هندي وخباز هندي.. وبواب الفندق هندي و… إلى جانب بائع بالبقالة هندي! ونسينا وتناسينا أننا من المفترض مجتمع مستقل عبر تبادل خدمات يقدمها أبناء المجتمع لأبنائه! لا بل أصبح الجوال فردًا من الأسرة، وأصبح البقال مطراش الأسرة.

التأثير:

طغى التأثير في بعض مناحي الحياة حتى امتد في بعض المجتمعات الخليجية إلى معظم الأشياء. طعامنا وموسيقانا وعروض سينمائية وأزياء وحنة وبرمجة حواسيبنا… و… كل ذلك متأثر بوجود الكتلة الكبيرة للجالية الهندية الفاعلة إلى جانب الضخ الإعلامي عبر منصات التواصل الاجتماعي. وكذلك تأثير الثقافة الغربية في بعض الدول العربية.

بعد حوادث السرقات الرقمية للمعلومات، أضحى واجبٌ وطنيٌّ في حماية بعض القطاعات التي يدخل الحاسوب والحواسيب في إنجازها، لاسيما البنوك والصحة والصناعة والتعليم، وتشغيلها بأيدٍ وطنية صرفة.

المساهمة والبناء:

شخصيًا أشكر كل الأيادي العاملة المثابرة والعفيفة المستقدمة والقادمة والتي ساهمت وما تزال تساهم في بناء الوطن وزيادة النمو فيه. إلا أنني أصطف مع أبناء بلادي في حماية التوطين للوظائف وأشجعهم للانخراط في الأعمال المهنية والتسويقية مع لين الجانب وحسن الأخلاق وصدق العهود.

نسبة التحرش والجريمة:

لم أطلع على إحصائية رسمية محلية عن جرائم الجاليات من كل جنسية تعمل داخل أرض الوطن، ولكن، الانطباع العام ولو على نطاق محلي يستشعر بقلة الجرائم الصادرة عن الجالية الهندية ضد أبناء الوطن. وهذا الأمر جعل الهند الجهة المفضلة للاستقدام لقطاع عريض من الخدمات «هندسة / بيع / فندقة / صياغة ذهب.. إلخ» والأعمال «مقاولات / هندسة / …إلخ». إلا أنه ليس هناك ضمانة بحسن السيرة والسلوك أبد الدهر لأي جالية. فإذا علمنا أن جرائم الهنود ببلادهم بتزايد ووحشية ملفتة وفساد مستشرٍ، فهو حقٌّ وواجبٌ، لاسيما مع فتح باب الاستثمار الأجنبي، صيانة القوانين الرادعة لِدرء أي مفسدة وحفظ المجتمع. ومرة أخرى أُشيد بالعمالة الأجنبية الوفية والمخلصة التي ساهمت وتساهم في رحلة البناء والعمران في بلادنا. مرفق تغريدةٌ تسلط الضوء على الانتشار للجاليات الهندية حول العالم.

الهنود في بعض بلاد الغرب

يبدو أنّ صورة الهنود المهاجرين بطرق شرعية أو بطرق ملتوية إلى بعض دول الغرب، لا سيما كندا، تشوّهت بعد تمادي بعض أبناء الجالية الهندية هناك في استغلال قوانين الهجرة. في بعض المناطق الغربية نجح الهنود في فرض طقوسهم ولغاتهم وطعامهم في شوارع تلكم المدن، ومنها لندن وتورنتو. بعد تصاعد نسبة البطالة في بعض دول الغرب المكتنزة بوجود الأقلية الهندية، نقرأ أنّ هناك موجة كراهية متصاعدة ضدهم من قبل أبناء البلاد الغربيين؛ وبسبب سيطرة الهنود على مفاصل سوق العمل في قطاع الخدمات واكتساحهم لها في بعض المدن، أصدر البعض نداءات لأبناء جلدتهم لحماية توطين الوظائف. فضلًا عن رصد الجهات المعنية هناك تزايد نسبة المزوّرين للشهادات الأكاديمية بين أبناء الجالية الهندية.

سمعنا

سمعنا عدة تصريحات تحذّر من تغوّل وسيطرة الجالية الهندية «أو الجاليات الأخرى»، ولا نعلم ما هي الإجراءات والنتائج المرتقبة، وهل هناك نشرات دورية تعالج هذا الموضوع في حواضرنا وتفيد المتابع بالأرقام والنتائج. شخصيًا فوجئت بلوحة معلّقة على مركز تجاري للخردوات بأحد المدن العربية تحمل اسم ”دنيا صغير“. وعند الاستفسار من البعض عن صانع اللوحة والخطأ الإملائي فيها، أفادوني بأنّ الخطاط، خطاط هندي، كتبها كما قرأتَ: ”دُنيا صغير“!