آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

التسامح ضرورة للتعايش

أمير بوخمسين

إن من يغفر أقوى بكثير ممن ينتقم، ومن يعفو أقدر على الفوز من الذي يصّر على الخصومة. لو خلت المجتمعات من التسامح، لأكل بعضها بعضًا، ولما بقي فيها سلام أو ود أو فرصة للتقدم.

في السادس عشر من نوفمبر من كل عام، تحتفل البشرية باليوم العالمي للتسامح، وهو يوم اعتمدته الأمم المتحدة ليذكر العالم بأن الكراهية ليست قدرًا محتوما، وأن الاختلاف لا يعني العداء، وأن السلم يبدأ من الداخل قبل أن يكون اتفاقًا سياسيًا أو شعارًا دوليًا. أمّا التحديات التي قد تواجه تعزيز التسامح، فهي: الجهل.. نقص المعرفة حول الثقافات والأديان المختلفة يؤدي إلى أفكار سلبية وتحيز. التمييز.. وجود أنظمة أو ممارسات تمييزية يمكن أن تعزز التعصب بدلًا من التسامح.. وسائل الإعلام.. بعض وسائل الإعلام تسلط الضوء على النزاعات أو تعزز الصور النمطية السلبية، مما يفاقم التوترات. الصراعات الاجتماعية.. النزاعات التاريخية أو السياسية تجعل من الصعب على الأفراد تجاوز خلافاتهم. الضغط الاجتماعي.. يشعر الأفراد بالضغط من مجتمعاتهم أو عائلاتهم لرفض الاختلافات. الإقصاء.. عدم دمج الأشخاص من خلفيات متنوعة بشكل كامل في تيارات المجتمع يمكن أن يعزز الشعور بالفصل. سوء الفهم.. سوء التفاهم بين الثقافات أو الأديان والمذاهب المختلفة يؤدي إلى نزاعات. إن تجاوز هذه التحديات يتطلب جهودًا مستمرة وتعاونًا مجتمعيًا.

تقول اليونسكو إن التسامح ليس صمتًا ولا خنوعًا، بل هو قدرة أخلاقية على احترام الآخر، وتقبّل اختلافه، والبحث عن المشترك بدلًا من تكبير الفواصل. لكن، ما قيمة الاحتفال إن لم يتحول إلى سلوك يومي نعيشه في بيوتنا، وشوارعنا، وأحاديثنا، وقراراتنا الصغيرة؟ الرسول ﷺ يوم فتح مكة بعد سنوات من الأذى والتكذيب والحروب، قال لقومه: اذهبوا فأنتم الطلقاء. لحظة واحدة في جملة واحدة، غيّرت التاريخ، وجعلت الرحمة بابًا واسعًا يدخل منه الناس إلى الإسلام.

نيلسون مانديلا، خرج من السجن بعد 27 عامًا، لا ليطالب بالثأر، بل ليقود المصالحة الوطنية. اختار أن يطفئ النار بدلًا من إذكائها، فصار رمزًا عالميًا للسلام. نعم، ليست كل النماذج عظيمة في ظاهرها؛ أحيانًا يكون التسامح مكالمة قصيرة أو رسالة قصيرة تعيد بث الروح في نفس مكسورة، أو تنازلًا بسيطًا يمنع انهيارًا أكبر.

إن تعزيز التسامح بين أفراد المجتمع يعدّ أمرًا مهمًا لبناء علاقات سليمة وتعايش سلمي. وهنا بعض الطرق التي تساعد على ذلك: التعليم والتوعية.. نشر قيم التسامح من خلال مناهج التعليم وورش العمل الثقافية.. الاحتفاء بالتنوع.. «الأحساء نموذجًا» التعرف على المذاهب والثقافات المختلفة والتقاليد، وتنظيم فعاليات تعكس هذا التنوع.. الحوار المفتوح.. تشجيع النقاشات البناءة حول القضايا الاجتماعية والسياسية والاستماع لوجهات نظر الآخرين. المبادرات المجتمعية.. دعم المشاريع التي تجمع الناس من خلفيات مختلفة، مثل العمل التطوعي.. التضامن في الأزمات.. العمل معًا في الأوقات الصعبة يعزز الروابط الإنسانية ويعكس قيمة الوحدة والتسامح.. أن نكون قدوة في التسامح من خلال أفعالنا وتوجهاتنا اليومية.. بتطبيق هذه الأساليب، يمكننا تعزيز روح التسامح وبناء مجتمع أكثر تماسكًا.

التسامح يربي النفس، ويهذب العلاقات، ويمنح صاحبه سلامًا داخليًا عظيما. إن أردنا مجتمعًا متسامحًا علينا أن نربي أبناءنا على الاعتذار بلا خجل، والمغفرة بلا منّة. أن نعلي قيمة الحوار بدلًا من الانفعالات.. أن نحتوي الخطأ قبل أن نحاسب صاحبه. وأن نمنح الفرص.

في عالمنا اليوم، التسامح ليس مجرد فضيلة فردية، بل ضرورة وطنية. إنه القوة التي لا يجرؤ عليها الضعفاء، والباب الذي يقود إلى مصالحة النفس قبل مصالحة الآخرين.