آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

استحضار الشخصيات في مرايا الفرات

ياسر آل غريب *

من ظواهر ثقافة القصيدة في العصر الحديث استحضار الشخصيات التاريخية، كوسيلة للتعبير عن ربط الماضي باللحظة الحالية، مما يجعل النص منفتحا زمكانيا، باشتغاله على ضخ الدلالات المتعددة ذات الوجوه المختلفة عبر إستراتيجية جمالية.

هذا ما يحتشد به ديوان «مرايا الفرات العمياء» للشاعر إبراهيم بوشفيع، فأغلب قصائده تحتوي على رموز إنسانية تسهم في تشكيل رؤيته لقضية كربلاء التي امتلأت بها هذه المدونة الشعرية على مر الأيام.

1 - شخصيات كربلاء:

بعد تجربة الشعر الديني / الولائي رأى الشاعر أن يتخصص أكثر في رحاب الإمام الحسين «الشخصية المحورية في العمل» مستلهما حركته التي تعد مفصلا مهما من مفاصل الحياة والوجود، ولأنها مليئة بالتفاصيل فقد أفرد قصائد خاصة بالعباس بن علي والقاسم بن الحسن ومسلم بن عقيل..

ولأن الكتابة في عاشوراء وتموجاتها مستمرة نرى الشاعر يختم إحدى قصائده بقوله:

هذا الحسين، وهذه صرخاته

للثائرين، وللحديث بقية..

فكل قصيدة لديه لاتقول كل شيء، ففي كل مرة يتجدد على ضوء هذا الحدث الاستثنائي.

2 - الأنبياء:

يوظف الشاعر أسماء الأنبياء ليس توظيفا فنيا فقط، بل هو مبني في الأساس على العقيدة باعتبار أن الحسين هو وريث الأنبياء وامتداد طبيعي لهم. في قصيدته «ثورة الحياة» يجمع هذه الأسماء المقدسة لتفيض بمخزون دلالي غزير، متأملا في نهضة الحسين المباركة:

أنت من أنت؟ كلما جئت جرحا

كنت «عيسى» تطبب الأسقاما

أنت من أنت؟ ذي دماؤك

بعصا الفكر يلقف الأوهاما

أنت من أنت؟ في عروقك «يحيى»

ثائرا فيك، يرفض استسلاما

أنت من أنت، وانبعاثك «طه»

إذ يشيع السلام والإسلاما

3 - الشعراء:

في التقاطة أخرى يقوم الشاعر بإيراد مجموعة من أسماء الشعراء الذين أثروا المشهد الحسيني بقصائدهم التي اشتهرت جيلا بعد جيل مثل: دعبل بن علي الخزاعي، والسيد جعفر الحلي، والملا ابن فايز الأحسائي والملا عطية الجمري البحراني، وابن نصار، والجواهري، كما استحضر صوت ابن هارون الكفيف في الموقف المعروف حينما طلب منه الإمام جعفر الصادق أن ينشده في الإمام الحسين فأنشد أبيات السيد الحميري.

4 - الشخصية باعتبارها إشارة:

كل شخصية هي إشارة لها أبعادها الخاصة، فهاهو الشاعر يعود إلى زمن الجاهلية موظفا قصة مقتل كليب بن ربيعة على يد جساس بن مرة في بيت واحد من إحدى قصائده على نحو من الكثافة اللغوية الواضحة:

صبري «كليب» و«البسوس» مواجعي

واليأس - إذ يغتالني «جساس»

وينقلنا إلى ناحية الأسطورة في معرض حديثه عن الحقيقة الكربلائية الراسخة في وجدانه:

ما كنت «هومر» حين شيَّد حالمًا

أمجاد «أوديسيوسَ» من إيحاء

«إلياذتي» من كربلاء رويتها

نبأ تصدر أصدق الأنباء

ويستمر الشاعر في توزيع أيقوناته في مجمل قصائده متنقلا من صمت «بوذا» إلى صليب «يسوع» ومن نضال «لوثر» «وجيفارا» عائدا إلى الجذر الأول حيث غيمة من نسل «هابيل».

أخيرا.. من يقرأ ديوان مرايا الفرات العمياء سيتفاجأ بشخصية «بارام بن شافع العبدي» الذي هو إبراهيم بوشفيع نفسه.. وكأن الشاعر يكتشف ذاته ثقافيا، ذلك الطفل الذي نمت أصوات مأتم والدته داخله حتى أصبح مدججا بالإيقاع، ومن مطالعاته الأولى لدواوين الرثاء المنسوخة بخط اليد استمد حب القراءة والكتابة.