آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

ماذا يفيدك مالك… إن كان رحيلك هو أمل أبنائك؟

عبد الله أحمد آل نوح *

قد يملك الإنسان مالًا يكفيه ويكفي أبناءه لعيش كريم، وربما يوفر لهم مستوى من الرفاهية لا يصل إليه الكثير، ومع ذلك تجده يعيش وكأن الفقر يطارده، يمسك بالمال بقلق، يدخره خوفًا من غد مجهول، ويتعامل مع الثروة وكأن الأيام القادمة لا ترحم. فلا هو يستمتع بما لديه، ولا يمنح من حوله حقهم الطبيعي في حياة هادئة، ولا يُدرك أن أكثر ما يُفقد في هذه الحالة ليس المال… بل أثره في قلوبهم.

المؤلم أن بعض الأبناء - رغم احترامهم وحبهم لوالدهم - قد يصلون في لحظة صامتة إلى أن يتمنّوا انتهاء معاناتهم معه، لا جحودًا، بل لأنهم حُرموا من أبسط مقوّمات الحياة بينما كان قادرًا على منحها. فبدل أن يقولوا: «الله يطول عمرك»، تتحوّل أحيانًا تلك العبارة داخليًا إلى همسة موجعة: «متى…؟» والعياذ بالله. وهنا لا يُقاس الفشل بعدد ما يملك الإنسان، بل بعدد من عاش حوله محتاجًا وهو قادر.

المشكلة لا تكمن في الثروة ذاتها، بل في طريقة التفكير. من يُغلق أبواب العطاء خوفًا من المستقبل يعيش فقرًا داخليًا رغم سعة ماله. من يخشى أن يُنفق اليوم فيفتقر غدًا، ينسى أن الذي رزقه قادرٌ أن يعوّضه. يرى أبناءه في حاجة فيُؤجل دعمهم لما بعد رحيله، وكأن أثره لا يُكتب إلا في وصية. يظن أن حفظ المال هو الضمان، بينما الضمان الحقيقي في دعوة صادقة من قلب من عاش تحت سقفه بكرامة.

الادخار المبالغ فيه لا يحمي، بل يحبس الحياة عنه وعنهم. تتحوّل الثروة إلى عبء، والحرص إلى جدران، والعيش المشترك إلى صمت. وما لا يدركه هو أن ما يخشى أن ينقص اليوم… سيتركه كاملًا غدًا. فلا مال يُحمل إلى القبر، ولا عقار يرافق صاحبه، ولا رصيد بنكي ينفعه في أول ليلة من الرحيل. ما يبقى فقط هو ما أعطاه، وما خفّف به ألمًا، وما أدخل به فرحًا، وما جعل به إنسانًا يشعر أن حياته كانت أثمن من أرقام الحسابات.

وقد لخّص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب هذه الحقيقة بقوله:

«أموالُنا لذوي الميراثِ نجمعُها

ودورُنا لخرابِ الدهرِ نبنيها»

فهل ندرك أن ما نخشاه على المال قد يُصبح سببًا لفقدان أثرنا؟ وأن ما نمنحه اليوم قد يحفظ اسمنا بعد رحيلنا أكثر مما تحفظه التركات؟

العطاء في حياة الإنسان لا ينقص من المال، بل يزيده بركة، ولا يُضعف صاحبه بل يمنحه معنى. حين تُحسّن حياة من حولك اليوم، فأنت تُصنع امتدادًا لاسمك، لا مجرد ميراث لرقم حسابك. يكفي أن يُقال بعد رحيلك: «رحمك الله… عشت معنا بكرامة» بدل أن يُقال: «ترك لنا المال… ولكن بعد ماذا؟»

ما دمت حيًّا، فأنت تملك فرصة لتُحوّل نظرة من حولك من الانتظار إلى الدعاء، ومن الألم إلى الامتنان. افتح يدك الآن، ليُفتح لك باب الدعاء لاحقًا. اجعل ثروتك حياة تُعاش، لا ميراثًا يُنتظر. واجعل ذكرك صدقة دائمة، لا حسرة متأخرة.

فهل تختار أن تُعطي اليوم… أم تنتظر أن يذكرك الناس بعد الرحيل فقط بما تركته؟

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال