آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

بين المدن والبشر

نجمة آل درويش‎ *

أفكر وأنا أرى، وأتأمل الشوارع في مدينة القطيف… كم فيها من أماكن قديمة، تشبه في نظري بيوت بلدة القديح، لكنها ليست هي، ليست نفسها.

المداخل والمخارج، الزوايا التي تخفي حكاياتها… وأفكر كيف يشبه هذا الإنسان. مستحيل أن ندّعي معرفته بالكامل، فهو عالم بحد ذاته.

حتى هذه البيوت القديمة لها عشّاقها ومحبوها؛ من يقدّرها ويحنّ إليها، ومن يمر عليها مرور الكرام، لا يهتم لها ولا يجد لها قيمة في قلبه.

وكذا الإنسان… أي إنسان. لا نحكم عليه فقط بما سمعنا عنه أو بما يُقال في سيرته. قد تكون الأخبار غير دقيقة، وقد يكون شخصًا لا يتناغم مع جماعة أو أفكار معيّنة… فقلوبنا أحيانًا لا تتآلف مع بعض الناس بسهولة.

لكن عندما تتعرف عليه عن قرب، تجد معه الأنس والمحبة والرفقة الطيبة.

ويذكرني هذا كله بما قال الإمام علي :

«الناس أعداء ما جهلوا.»

معناها: الإنسان بطبيعته ينفر أو يبتعد عن ما لا يعرفه. يسيء الظن به، أو يتخوف منه… فقط لأنه لا يعرفه بعد.

الحكمة الأكبر هنا: لا تحاول أن تحكم على أحد من مظهره، أو من شيء لم ينطق به بعد. لا تصرفاته ولا نظراته دائمًا ستشبه أفكارك أو توقعاتك.

ويذكرني أيضًا بقصة البهلول، الذي ظنه الناس مجنونًا، إلا أن الإمام الكاظم عرف أنه أعقل المجانين. البهلول كان يتظاهر بالجنون، وما يظهر من تصرفاته إلا القليل، بينما قلبه وعقله يحمل كنوزًا.

وهكذا، مثل الشوارع المخفية والبيوت القديمة… عندما نقترب من شخص أو نتعرف عليه، سنتفاجأ بجماله وعمق حكمته وروحه الطيبة، جمال لا يراه إلا من يعرف كيف ينظر بعمق.