آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

حميد في حياته وسعيد بعد مماته

عيسى العيد *

عندما تكون علاقةُ شخصٍ صغيرٍ بشخصٍ آخر كبير، فمن المؤكّد أن الكبير لديه خبرة حياتية كبيرة، والأكثر من ذلك عندما يكون الكبير ذو علم ويتصف بالحكمة؛ فكل ذلك يعود على من هو أصغر منه بالفائدة الكبيرة. وكلما تعمّقت العلاقة كبرت الفائدة وصارت ذات معنى ومعانٍ، لأن الصغير سوف يكبر، وفي المقابل فإن الكبير سوف يعطي الصغير أهمية، وسيتعامل معه بصفته صار شيئًا أكثر مما كان عليه.

ارتبطتُ بالأستاذ حميد بن محمد تقي آل سيف رحمه الله منذ عقودٍ من الزمن، حيث تعرّفتُ عليه من خلال اخواني اللذان لهما علاقة به كذلك.

في بداية علاقتي به في سوريا، حيث كان مستقرًّا هناك، رأيتُ في هذا الرجل النبل في تعامله، والحكمة التي هي أبرز صفاته. الأستاذ أبو مقداد ليس كثير الكلام، لكنه عندما أستشيره في أمرٍ معين يبهرني بكلامه وأدلّته الحياتية التي من خلالها يقنعني بأن الطريق المؤدّي إلى ما أردته هو كذا وكذا.

كنت أجادله في بعض الأحيان في بعض الأمور، فيردّ علي مُلاطفًا: ”كلامك ما عليه جمارك؛ يعني لو كان كلامك سليم ما أحد اشتراه“، فيتبسّم وأنا كذلك، ثم يردّ على كلامي بكل لطف.

كما أسلفتُ، تعرفتُ عليه وأنا صغير، وكان يتعامل معي كالأستاذ مع تلميذه في الفصول الأولية. ما إن كبرتُ تغيّرت معاملته لي. كنت أقول له: لماذا كنتَ لا تتحدث معي في ذلك الأمر؟ فيردّ علي: كنتَ صغيرًا. فأردّ عليه: لازلتُ صغيرًا أمامك. فيردّ مُلاطفًا: لا تخربط علينا… أنت صرت كبير، ثم يبدأ الحديث بطريقة عميقة. هذا من تواضعه، وهي صفة من صفاته رحمه الله.

في كل عام، وفي شهر رمضان، لنا ليلة مع جمعٍ من الإخوة نقضيها في زيارة بعض أحبتنا في الاحساء، وكان أبو مقداد رحمه الله معنا. في الأحاديث التي تدور أثناء الزيارة يدخل بصمته الحكيم. ما إن يستقرّ بنا الجلوس وتُطرح بعض المسائل، لا يتحدث إلا إذا كان له رأي في ذلك الحديث، أو يكون لكلامه معنى وقبول. فإذا أحسّ بأن كلامه ليس له فائدة، حتى ولو أُسنِد إليه، يتحفّظ ويفضّل الاستماع.

له فنّ الإصغاء بشكلٍ عجيب، مع أنه إذا تحدّث يتحدث بعلمٍ وأدب. فهو كاتب في القصة القصيرة، كذلك هو طالب علوم دينية في بداية حياته، وبعد ما عاد كان يحضر درسًا عند أخيه سماحة الشيخ محمود.

هذه بعض مزاياه رحمه الله، فله مزايا كثيرة، منها صفة الكرم وحمل هموم من هم قريبون منه، ممّا لا يسع الكلام في مقال.

الأستاذ حميد ستبقى كبيرًا بعلمك وأدبك وصفاتك. ستبقى كبيرًا بمن كبروا وهم يتعلمون منك.

رحمك الله وستبقى خالدًا في نفوس محبيك ومن تربّوا تحت يديك، وستبقى ذكراك لامعة في قلوب من هونت عنهم همومهم ومآسيهم.