حين يبكي الناس لرحيلك… فأنت لم تَعِشْ عبثًا
عن الراحل السعيد الأستاذ حميد آل سيف
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
: «خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُمْ».
ليست كلُّ حياةٍ تُذكَر… وليست كلُّ سيرةٍ تُسطَّر.
فبعضُ الناس يمرّون في الحياة مرور النسيم، لا يُحدِثون أثرًا ولا يتركون ظلاً.
وبعضهم — وهؤلاء القلّة — يخلُق الله في كلماتهم نورًا، وفي حضورهم سكينة، وفي غيابهم وجعًا لا يبرد.
ومن هؤلاء الأحبة الذين نحملهم في القلب، ونستعيد ذكراهم كلما مرّت بنا لحظة وفاء: الأستاذ حميد آل سيف، رحمه الله.
كان الأستاذ حميد آل سيف — كما عرفناه — رجلًا جميلاً في خلقه، راسخًا في إيمانه، واسع القلب، هادئ الروح.
لم يكن وجوده مجرد حضور، بل كان طمأنينة تسعى على قدمين، وابتسامة تعيد ترتيب الفوضى في القلوب.
كان كاتبًا وأديبًا، لكنه قبل ذلك كان إنسانًا مكتمل الإنسانية؛يكتب بعينٍ تدمع، وقلبٍ يخفق، وضميرٍ لا يساوم.
من أهم أعماله الأدبية مجموعته القصصية «بقايا ثوب»…
ذلك العمل الذي تناول فيه حادثة القديح المؤلمة [1] ، يوم تحوّل الفرح إلى مأساة، والعرس إلى حريق، والضحكات إلى صرخات.
لم يكتب الأستاذ حميد الحدث بوصفه قصة فقط، بل كتبه كإنسان عاش الفاجعة بقلبه قبل قلمه.
كانت قصصه ذات بعدٍ أدبي إنساني رفيع؛تحمل حرارة الألم، وصدق الوجدان، وعمق الفكرة، وكأنها تريد أن تقول:
إن سطور الأدب تستطيع أن تُرمّم ما يهدمه الحزن، وأن تحفظ للناس ذاكرتهم ودموعهم.
رحل الأستاذ حميد…لكن ذكراه لا ترحل.
فقد ترك وراءه ما يجعل قلوب محبيه تعود إليه كلما مرّوا على كلمة كتبها، أو موقف وقفه، أو قصة صاغها بحنان الإنسان المؤمن.
والفقدُ — وإن قسى — يعلمنا أن بعض الناس لا يُعوَّضون، لأنهم حين عاشوا أحسنوا المخالطة، كما أوصى أمير المؤمنين، فبكى الناس لرحيلهم، واشتاقوا لعودتهم، وذكرهم كلُّ من عرفهم بدعاء الرحمات.
رحمك الله يا أستاذ حميد، يا من تركت لنا أدبًا نبيلاً، وخلقًا كريمًا، وسيرةً تُقرأ بالقلب قبل العيون.
نسأل الله أن يجعل قبرك روضةً من رياض الجنة، وأن يكتبك مع الأبرار الذين لم يُعرفوا إلا بالخير، وأن يجعل ثواب كلماتك نورًا لا ينطفئ.
وبقيتَ… كما كنتَ بيننا:
أديبًا، نقيًا، ووجهًا يُذكَر فيُذكر معه الإيمان والإنسان.















