آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

حين ينام الشغف… تنطفئ الحياة

عبد الله أحمد آل نوح *

في زحمة الأيام وضغوطها، هناك شيء واحد إن فقدناه فقدنا كل شيء؛ تلك الشعلة التي تُبقي أرواحنا حيّة.

إنها شعلة الشغف، التي إن انطفأت، انطفأ معها كل ما في الإنسان من حب وإبداع وأمل.

هناك شعلة صغيرة تسكن في أعماق كل إنسان، تمنحه لون الحياة ونكهتها، وتجعله يعيش لا لمجرد أن يتنفس، بل ليُبدع ويُحب ويغيّر.

الشغف ليس رفاهية كما يظن البعض، بل هو وقود الحياة. هو الدافع الخفي الذي يجعل أحدهم يستيقظ كل صباح ليكمل طريقه رغم التعب، ويجعل آخر يقف من جديد بعد كل سقوط.

هو الأمل الذي لا يُشترى، والإلهام الذي لا يُمنح من الخارج، بل يولد من الداخل حين يجد القلب ما يستحق أن يعيش من أجله.

الإنسان بلا شغف يشبه آلة تعمل بلا روح. يأكل وينام ويتحرك، لكنه لا يحيا.

حين يخفت بريق الشغف، يصبح كل شيء باهتًا؛ العمل بلا طعم، الأيام بلا انتظار، والأحلام مجرد صور قديمة لم تعد تُشعل شيئًا في الداخل.

وللشغف أعداء كثيرون، أخطرهم الروتين الذي يسرق بهجة الأشياء الجميلة، والخوف من الفشل الذي يخمد نار التجربة قبل أن تشتعل، والكلام السلبي الذي يسمّيه البعض «الواقعية»، بينما هو في الحقيقة قيد يكمّم الفرح ويخنق الطموح.

وتُضاف إلى ذلك البيئة المحبطة التي لا تحتفي بالنجاح، بل تُطفئ كل ضوء يطل في وجهها، حتى يصبح الإبداع جريمة، والطموح تهمة.

يفقد الإنسان شغفه أحيانًا لا لأنه ضعيف، بل لأن الضغوط المتراكمة تُطفئ جذوة الحماس داخله.

العمل الرتيب، وانعدام التقدير، والتكرار الممل للأيام، كلها تجعل الشغف يخفت شيئًا فشيئًا حتى يصبح الإنسان غريبًا عن نفسه، غريبًا عن حلمه الأول.

ولعل من أشد ما يطفئ الشغف هو الاكتئاب، ذلك الضيف الثقيل الذي يتسلل خفية إلى الأرواح.

فالاكتئاب لا يأتي دائمًا على هيئة حزن ظاهر، بل يبدأ غالبًا بفقدان الاهتمام بكل ما كان يبهج الإنسان، ثم يتحول إلى جفاف داخلي لا يُرى بالعين.

يشعر المرء حينها أن لا شيء يستحق، وأن كل ما كان يُلهمه بالأمس صار عبئًا اليوم.

وتزداد الحالة صعوبة حين يُطالَب المصاب بأن «يتحمّس» أو «يغيّر مزاجه»، وكأن الأمر خيار بسيط، بينما الحقيقة أنه صراع داخلي بين العقل والقلب، بين الرغبة في النهوض وثقل العجز عن ذلك.

إن فهم هذه الحالة والتعامل معها بتعاطف هو أول طريق لاستعادة الشغف، لأن الإنسان لا يمكنه إشعال النار في قلب مثقل بالرماد.

يحتاج أولًا إلى من يزيل عنه هذا الرماد برفق، بالحب، وبالدعم، وبالاعتراف أن فقدان الشغف أحيانًا ليس ضعفًا، بل استغاثة صامتة من روح متعبة.

لكن الشغف لا يموت، بل ينام فقط، في انتظار من يوقظه.

والعودة تبدأ من سؤال واحد صادق:

ما الشيء الذي يجعلني أشعر أني على قيد الحياة؟

حين يجد الإنسان الإجابة، ولو كانت بسيطة، تبدأ النار بالاشتعال من جديد.

قد يكون الشغف في الكتابة، أو في العطاء، أو في عمل يشعره أنه يضيف للحياة معنى.

المهم ألا يعيش الإنسان ليرضي الآخرين، بل ليرضي تلك الروح التي بداخله والتي لا تهدأ حتى تجد طريقها.

وقد رسم الإسلام أبهى صورة للشغف في الحياة والسعي والإعمار، حين قال رسول الله ﷺ:

«إن قامتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكم فسيلةٌ، فليغرسْها».

حديث موجز في لفظه، عظيم في معناه، يدعو الإنسان إلى التمسك بالأمل حتى في لحظة الفناء، وإلى أن يبقى فاعلًا مغروسًا في الحياة بالخير، حتى لو قامت الساعة.

إنها دعوة إلى الشغف بالعمل والعطاء، وإلى أن يبقى القلب عامرًا بالإصرار على الإعمار، مصداقًا لقوله تعالى:

﴿هُوَ أَنْشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: الآية 61]،

أي: طلب منكم عمارتها بالخير والمعرفة والأمل، وجعل ذلك من جوهر رسالتكم في الوجود.

الشغف ليس مجرد هواية، بل أسلوب حياة.

هو طاقة تحول الألم إلى تجربة، والفشل إلى درس، واليأس إلى بداية جديدة.

وكلما اقترب الإنسان من قلبه أكثر، ازداد وعيًا بما يحركه ويلهمه ويمنحه الحياة من جديد.

ما أقسى أن نعيش بلا حلم، بلا نار تضيء لنا الطريق.

فالحياة بلا شغف تشبه لوحة مرسومة بإتقان، لكنها بلا ألوان.

فابحث عن شغفك، وتمسك به، وازرعه في قلب كل يوم تعيشه،

لأن من وجد شغفه وجد طريقه إلى الحياة، ومن فقده، فقد الحياة قبل أن يغادرها.

عضو مجلس المنطقة الشرقية ورجل أعمال