”الورقي مات“.. الرمضان يراهن على ”يوتيوب“ لإنجاح ”لعبة الفهد“
”الورقي مات“.. بعبارة حاسمة تختصر قناعته بتحولات المشهد الثقافي، يبرر الكاتب إبراهيم الرمضان رهانه الجديد. ففي خطوة تتجاوز المسارات التقليدية، اختار الرمضان التخلي عن حبر المطابع، ليضع ثقله كاملاً في منصة ”يوتيوب“ الرقمية، مطلقاً روايته ”لعبة الفهد“ كعمل صوتي مجاني متسلسل، في تجربة يصفها بـ ”التدمير الإبداعي“.
في جوار مع ”جهات الإلكترونية“، يكشف الرمضان عن الأسباب التي دفعته لـ ”نسف“ النموذج التقليدي للنشر، وكيف يخطط لإنجاح عمل روائي في فضاء مجاني ومفتوح، متحدثاً عن كواليس الإنتاج، وتحديات حفظ الحقوق الفكرية في ”يوتيوب“، ومستقبل ”لعبة الفهد“ التي يراهن عليها لتكون بداية لثلاثية روائية.
”لعبة الفهد“ تحكي عن شاب ثلاثيني يخرج من السجن بعد عشر سنوات وهو مصرّ على أنه لم يكن مذنبًا بالكامل، ولكنه لم يستطع إثبات براءته، ليجد نفسه في مواجهة وصمة المجتمع ونفوذ أصحاب المصالح. الرواية تفكك الخط الفاصل بين الصواب والخطأ حين تتعارض القيم وتتداخل المبررات، ومع تقدّم الفصول تتكشف شبكة مؤامرات تحيط بالبطل من كل جانب.
الإلهام جاء من مصدرين رئيسيين:
أولًا: قصص واقعية عن التعافي بعد السجن شكّلت ملامح الشخصية الرئيسة ”فهد“. كتبت الفصل الأول ونصف الفصل الثاني عام 2021، ثم توقفت فترة قبل أن أعود إلى العمل العام الماضي لأبحث عن شرارة تعيد السرد إلى مساره.
ثانيًا: تذكّرت الملصقات العشوائية على الصرّافات وأعمدة الإنارة التي تروّج لـ ”قروض ميسّرة وفق الشريعة“ بينما هي فِخاخ يقع فيها البسطاء؛ عندها وُلدت شخصية الشيخ ”أبو مشاري“ بوصفه محور النفوذ والابتزاز الأخلاقي. بهذه الشرارة اندفعتُ بقوة وأتممت الرواية خلال أشهر قليلة لاحقة.
في الرواية، اللعبة ليست مواجهة صريحة، بل حرب تكتيكية ذكية يُديرها فهد ضد خصمه الرئيسي ببرود ودهاء. لا يلعب بالنار بل يصنعها، يختار التوقيت بعناية، ويستبدل المواجهة المباشرة بالمناورة والتخفي. يزرع الشك في عقول خصومه بخطوات محسوبة، فيجعلهم يشكّون في كل ما حولهم. إنها لعبة قرارات ومعارك نفسية، كل خطوة فيها لها ثمن، وكل مكسب يقابله خطر
أما بخصوص ”الفهد“، فإنه يرمز إلى حدّة البصيرة وسرعة التقاط الخيط وسط الفوضى؛ قوة هادئة لا تفصح عن نفسها إلا في اللحظات الحرجة. إنه سريع الحركة يحسم قراراته في أجزاء من الثانية، مراوغ بالفطرة يختفي حين يلزم ليظهر من حيث لا يُتوقَّع، ذكيّ تكتيكيّ يفضّل التخفي والحيلة على المواجهة المباشرة، ويتعلّم بسرعة فلا يقع في الفخ مرتين
تتكشف الأحداث المقبلة عن أسرار أعمق تخص إمبراطورية الفساد للخصم، يتصاعد الصراع ليتحول إلى ”حرب استنزاف“ معقدة، تعتمد على التخطيط الذكي والأساليب غير التقليدية، تفرض هذه المواجهة على فهد وحلفائه العمل خارج الأطر التقليدية، وتواجههم بمخاطر شخصية متزايدة أثناء محاولة تفكيك شبكة الفساد بالكامل.
كل من يحب الدراما الاجتماعية المشوّقة ذات لمسة فلسفية ساخرة سواء من القراء أو المستمعين الكرام، والشباب الذين ينجذبون للسرد التسلسلي السريع على المنصات الرقمية.
سبق أن نشرتُ كتابين ورقيين: ”عتاوية سنة 2000“ و”الشيخ أبوطميطة الحساوي - من الأدب الساخر“. ورغم الترحيب بهما، لم يحققا الرواج المأمول وظلّت المبيعات محدودة. يرافق ذلك تراجع اهتمام دور النشر، ومع الانفجار المعلوماتي أصبح تسويق الكتاب الورقي أصعب وأعلى كلفة، بخلاف الكتاب الرقمي الأقل تكلفةً والأقل مخاطرة. كما لاحظتُ توجه الجيل الحالي إلى الخيارات الرقمية، خصوصًا الكتب المسموعة. وبوصفي كاتبًا وراويًا جديدًا على جمهور أوسع، أحتاج وقتًا لبناء اسمي وتعريف القرّاء بنتاجي.
كما ذكرتُ سابقًا، أنا كاتب وراوٍ جديد على جمهورٍ واسع، لذا رأيتُ أن الاكتفاء بالمنصّات المدفوعة قد يحدّ من الوصول. هدفي الأول هو انتشار القصة ووصولها إلى المستمعين، لا العائد المادي فقط. صحيح أنّ الرواية متاحة ككتابٍ إلكتروني مدفوع، لكني فضّلت أن يكون الإصدار الصوتي مجّانًا على يوتيوب لخفض حاجز الدخول وتعزيز الاكتشاف والتفاعل. هذه المقاربة تستلهم مبدأ التدمير الإبداعي كما فعل ستيف جوبز حين قرّر عمليًّا التضحية بمكانة iPod لصالح موجة الابتكار التالية ”فإن لم تُجدّد على منتجك أنت، فسيأتي شخص آخر ويفعل ذلك بالنيابة عنك“. لذلك قدّمت النسخة الصوتية على منصّة مفتوحة لأسبقَ التغيير بدل أن أطارده، والنتائج حتى الآن تؤكّد نجاح هذا النهج.
الإيقاع الأسبوعي يبني عادة متابعة ويخلق انتظارًا صحّيًا، ويمنح كل فصل حقَّه من النقاش. كما أنه يسهّل عليّ ضبط الجودة والإخراج الصوتي باستمرار.
في ما يخص الأداء الصوتي، نعم إني أقوم بالأداء الصوتي بنفسي، وبوصفي مؤلف الرواية، فأنا أعرف الدوافع النفسية لكل شخصية معرفةً دقيقة؛ لذلك لم أجد صعوبة تُذكر في تجسيدها صوتيًا ونقل انفعالاتها كما أردتها على الورق. أقرّ أن البدايات كانت مرهقة—في أوّل الحلقات واجهتُ صعوبة في النفس والتركيز لأنها تجربتي الأولى مع التسجيل—لكن سرعان ما ارتفعت اللياقة الصوتية و”تصادقتُ“ مع الميكروفون، حتى بتُّ أستطيع تسجيل أكثر من حلقة في اليوم عند الحاجة.
خلف الكواليس، كان لابني علي دورٌ داعمٌ مهمّ، يساعدني لوجستيًا وقت التسجيل، خصوصًا بعد إنهاك الجلسة الأولى، ويتابع رصد أي خطأ في النص بحكم اطلاعه المسبق على القصة. كما أن التعاون مع مهندس الصوت المبدع جهاد الحداد كان مثمراً حيث أبدى مرونة عالية عند الحاجة لإعادة بعض المقاطع، وأنجز عمله بسرعة وكفاءة، فله الشكر.
الفسح يضبط الإطار النظامي للنشر ويعزز الموثوقية. والردمك ”ISBN“ يثبت هوية العمل ككتاب رقمي يُستشهد به ويُفهرس ويحفظ حقي الأدبي حتى لو كان النشر مجانياً.
لم أواجه صعوبة تُذكر؛ اقتصر الأمر على رفع الرواية عبر منصة ”إعلام“، حيث جرى مراجعتها وإجازتها. نصيحتي: راجعوا النصّ عدّة مرات قبل إرفاق النسخة النصية النهائية، والتزموا بالشروط والأحكام المعتمدة؛ فهذا يختصر الزمن ويقلّل المراجعات.
أعتمد على توثيق النص بإيداع النسخة الرقمية لدى مكتبة الملك فهد الوطنية بعد إجازتها من قبل وزارة الإعلام، وكذلك استخدام ميزات المطابقة والبلاغات على منصة اليوتيوب، وإبراز بيانات العمل ورقم الردمك في الوصف. كما أن النشر المتسلسل المؤرشف يخلق ”بصمة زمنية“ صلبة لأي نزاع.
الأصداء مشجّعة، ولا سيما من أبناء عمومتي من العشيرة وأرحامهم. جاءت التعليقات مؤكِّدةً ترابط الخيوط وتماسك النص، وتناولت أيضًا الجانب الجدلي لكون الشخصية الرئيسة غير مثالية تمامًا—وهو ما يعزّز حبكة صراع القيم والمبادئ. الأهم بالنسبة لي أنّ الرسالة عن صعوبة العودة إلى الحياة بعد السجن وصلت بوضوح، وهذا يعنيني كثيرًا.
الرواية مكتوبة بالكامل ومُنشرة رقميًا على المنصّات المدفوعة، أمّا النسخة المسموعة التي أقدّمها مجانًا على يوتيوب فما زلتُ أسجّلها أسبوعيًا. لذلك ستكون ردود الأفعال عاملًا إيجابيًا مؤثّرًا في الحلقات المقبلة بلا شك.
منذ اكتمال الرواية ومراجعتها، أفكّر في إتمامها بجزئين إضافيين لتصبح ثلاثية—وهذا مرهون بمدى نجاح العمل وانتشاره. تعمّدت أن أجعل النهاية مواربة لفتح باب المواصلة؛ وأتصوّر أن يركّز الجزء الثاني على ما قبل أحداث لعبة الفهد، بل وما قبل ولادة بطل القصة نفسه. وسأدع التفاصيل تنضج مع توالد الأفكار ومتابعة ردود الأفعال..
لا تنتظر ”الظرف المثالي“ لنشر نتاجك. ابدأ بما تملك، نظّم عملك، وامنح الجمهور نافذة منتظمة يطلّ منها على مشروعك. الاستمرارية والصدق أهم من الضجيج.













