آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

سلاماً على تاروت وعلى مستشفاها العام الذي كان بين البساتين

عباس سالم

المستشفى العام هو: المستشفى الحكومي المملوك للدولة ويتلقى الدعم والتمويل منها، وهذا النوع من المستشفيات تُقدَّم فيها الرعاية الطبية مجانًا للمواطنين على نفقة الدولة، وللمستشفيات الحكومية دورٌ هام في تقديم الخدمات الصحية لمختلف الفئات من المواطنين، وخاصة محدودي الدخل.

عادةً المستشفيات الحكومية هي الملاذ والخيار الأول للناس في الحالات الطارئة مثل الحوادث المرورية والأزمات القلبية المفاجئة وغيرها من المشكلات الصحية الحادة، ولهذا فإن أهم خدماتها المتعددة هي خدمات الطوارئ التي تعمل على مدار الساعة لاستقبال المرضى وإسعافهم، بعد تشخيص الإصابة ونوعية الرعاية التي يحتاجها المريض، فهناك الخدمات الجراحية والعظام وخدمات الأمومة وغيرها من الخدمات.

في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت البلاد تعاني من كثرة الأوبئة والأمراض مثل وباء الطاعون والكوليرا، إضافةً إلى الأمراض السارية التي تشمل الدَّرَن الرئوي والحصبة والجدري والجذام والحمى وغيرها، خاصة في المناطق التي تكثر فيها الزراعة والواحات التي تكثر فيها جداول المياه والأنهار، وذلك لانعدام الوعي الصحي عند الأهالي وندرة المؤسسات الصحية في ذلك الزمان.

فمن هنا قام رجالات الدولة في ستينيات القرن الماضي بتأسيس ”مستشفى تاروت العام“ فوق أرض فضاء تقع بين البساتين والمزارع على أطراف بلدة «الربيعية» من الجهة الجنوبية، ويحتوي المستشفى على عدة أقسام يقدم فيها خدماته الصحية المجانية، وكان فيه عددًا من الأسرّة لتنويم المرضى مع غرف للموظفين، لكنه للأسف تحوَّل فيما بعد إلى مركزٍ صحي يُعاني من الإغلاق بين الحين والآخر بسبب الصيانة.

في تلك الحقبة الزمنية كان الأهالي في جزيرة تاروت كما في كل الوطن الغالي ينعمون بالخدمات الصحية لمختلف التخصصات مجانًا على نفقة الدولة رعاها الله، ولا تزال ولله الحمد تُبذل الكثير ولم يتوقف عطاؤها إلى اليوم، يشعر بذلك كل مواطن ومقيم على هذه الأرض عندما يدخل إلى أيِّ مركزٍ صحيٍّ أو مستشفى حكومي ويرى تلك الخدمات الكبيرة والأدوية المقدمة له مجانًا.

الزحف السكاني الكبيرُ الذي اجتاح «جزيرة تاروت» من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، قضى على كل البساتين والمزارع التي كانت تحيط بها وبقصرها الشامخ، قد غيَّر جمالها، ودمر العيون والآبار الطبيعية التي كانت موجودة فيها حتى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، فتصحرت الجزيرة وغادرتها كل أنواع الطيور والحيوانات البرية التي استوطنت المكان.

الكثافة السكانية في جزيرة تاروت اليوم شكلت ازدحامًا مروريًا على الطرق الرئيسية لم تشهده البلدة من قبل، وهذا قد يسبب إعاقة عمليات إسعاف المرضى أو المصابين جراء حادث مروري أو أزمة مفاجئة لنقلهم إلى المستشفيات البعيدة عنها، وإن تأخير إسعاف المريض ربما يتسبب في إزهاق حياته، وكان بالإمكان إنقاذها لو كان المستشفى موجودًا في جزيرة تاروت التي يبلغ عدد سكانها نحو 125,000 نسمة بحسب إحصائية السكان لعام 2024.

وفي الختام: يبقى مستشفى تاروت العام متصدر الذكريات، كلما ذكروك إذا مروا بالمكان هاجت الروح وحنَّت لوجودك اليوم، فسلامًا على تاروت وعلى قصر تاروت، وسلامًا على مستشفاك الذي كان يتلألأ بين بساتينك في ستينيات القرن الماضي، وسلامًا على ملائكة الرحمة الذين خدموا الأهالي فيه، بعيدًا عن طول انتظار المواعيد ومعاناة زحمة الشوارع اليوم، للوصول إلى المستشفيات التي تبعد عن جزيرة تاروت بعشرات الكيلومترات.