آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

الإدمان والحلول

المهندس أمير الصالح *

إشادة

أُشيد بكل محاضر ومفكر وكاتب وأب وشخص مسؤول وخطيب ورجل أمن وبائع أمين ومدير قاعة ومسؤول تشغيل في منشأة تفانى في معالجة وحلحلة أي مشكلة طرأت أو قد تطرأ في البيت أو الشارع أو السوق أو المدرسة أو النقل العام أو المطار أو الفندق أو قاعة الأفراح أو دور العبادة أو المنتزهات… إلخ؛ وأشكر الله على وجود أهل الجود والكرامة والإباء في مجتمعاتنا، ممن يبادرون في طرح الحلول أو تفعيلها.

وأنصح المتذمرين وكثيري الشكوى والمتهكمين ومثيري المشاكل وموزعي الشتائم ومروجي الفتن وزارعي الشكوك والشبهات والتهم على الناس بأن يُغيّروا من طريقة تفكيرهم وتفاعلهم ونظرتهم للحياة، فإن الله جل جلاله يريد من كل واحد منا أن يُحسن عمله.

المقدمة

تتعقد سلوكيات أفراد المجتمع في أي مكان في العالم بتعقد أنماط الحياة في المدن والقرى التي ينمون ويترعرعون فيها.

وعادة ما تكون صور الإدمان انعكاسًا لذروة من ذروات النزوة الاستهلاكية لترف ترفيه أو ترف تذوق أطباق أطعمة مختلفة مع وجود فائض أو ترف في الكلام والتنظير أو ترف تدين حد الوسواس أو ترف تسوق أو ترف استخدام منشطات وأدوات جنس أو ترف إهدار وقت بمشاهدات توافه الأمور.

وفي حالات أخرى يكون غرس الإدمان لمادة معينة نتيجة استهداف مباشر من جهة معينة ضد جهة أخرى لأغراض مختلفة، كإدمان المخدرات في سكان الصين في القرن الثامن عشر، وإدمان شرب النبيذ بين السكان الأصليين لأستراليا في القرن التاسع عشر.

هناك أشكال وأنواع من الإدمان، ولعل الأشهر منها: إدمان المخدرات، إدمان حبوب المنبهات، إدمان التدخين، إدمان شرب الخمر والنبيذ، إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية، إدمان القمار، إدمان التنصت على الآخرين، إدمان الألعاب الإلكترونية، إدمان مشاهدة المباريات الرياضية، إدمان أكل الحلويات، إدمان الكذب، إدمان الكسل، إدمان النوم، إدمان التحريف، إدمان النصب والاحتيال، إدمان السفر، إدمان الحج والعمرة، إدمان السهر، إدمان التسوق، إدمان التحرش، إدمان الأكل حد السمنة، إدمان التأمل، إدمان متابعة التحليل للأخبار العالمية، إدمان القلق، إدمان الشك، إدمان… إلخ.

عند التمعن أكثر في تصنيف الإدمان وأنواعه، نرى أن درجات الإدمان تتراوح بين درجة إدمان محمود العواقب إلى حد ما، ودرجة محمود العواقب، ودرجة إدمان سيئ العواقب، ودرجة إدمان كارثي العواقب.

فمثال إدمان محمود العواقب إلى حد ما هو حضور أنشطة رياضية في نادٍ ما بشكل يومي على حساب إهمال المسؤوليات والواجبات الأخرى نحو العمل أو الأبناء والزوجة.

ومثال إدمان محمود العواقب هو الالتزام بأداء الصلاة الواجبة في أول أوقاتها.

ومثال إدمان سيئ العواقب هو التدخين أو شرب مشروبات الطاقة المصنعة بكل درجاتها، لأنه منتهٍ بإتلاف صحة الفرد.

ومثال إدمان كارثي العواقب هو تناول المخدرات أو النبيذ أو الخمر أو الإرهاب بكل تركيزاته، لأنه منتهٍ بإتلاف الصحة والنفس والممتلكات والأمن والاستقرار والأوطان.

ما طرق التعامل مع المدمن؟

بعد تشخيص نوع الإدمان وأسبابه ودوافعه، يتحرك من لديه القدرة والإدراك كفرد أو كمجموعة أو كأسرة أو مؤسسة لفرض طوق وسياج حول المدمن لعزله عن المؤثرات السلبية وتعزيز العوامل الإيجابية لتقديم مزيج من طبقات الاحتواء والدفء الأسري والإرشاد والنصح والتفاعل والمعالجة والترويح وقطع أي موارد مالية تُصرف على الممنوعات، ومنع الاتصال بأصحاب السوء، وتعديل نظام الأسرة ليكون أكثر عناية واحتواءً.

في صنف الإدمان السيئ العواقب والكوارثي العواقب، قد تفشل كل السبل المتاحة للأهالي، وحينذاك لا بد من طلب المساعدة من الجمعيات المختصة والجهات الرسمية للمعالجة والاحتواء حسب الإجراءات الرسمية المعمول بها، مع حفظ كامل الكرامة للمدمن وخصوصيته.

بين درهم وقاية والكي آخر العلاج

حتما درهم وقاية خير من قنطار علاج، وعليه فإن المبادرة في المهد أفضل بمراحل من العلاج المتأخر.

الجرعة الزائدة من المخدرات قد تؤدي إلى الوفاة، والجرعة الزائدة من إدمان المشتريات الاستهلاكية قد تؤدي إلى الإفلاس، والجرعة الزائدة من القلق قد تؤدي إلى الموت أو الاكتئاب أو الانهيار.

إذا ما الحل؟ ”آخر العلاج الكي“، جملة يرددها الناس عند تعثر الحلول البسيطة في معالجة سلوك مشين لأحد أفراد أسرهم وتعثر الحوارات النافعة، والمراد من ذلك أن الحل الأخير هو اللجوء لأقسى إجراء في متناول اليد، وهو اللجوء إلى السلطات الرسمية المختصة.

فلسان حال أفراد تلك الأسر المتضررة من المدمن بفعل أو سلوك مشين، هو: ”مد يد العون والمساعدة لمن ينشد العلاج، وإذا تم الرفض للعلاج، فحماية أفراد الأسرة من شرور أفعال المدمن وتصرفاته وسفاهته وعدم اتزانه، فإن السلطة الرسمية بالمرصاد“.

قصة وفائدة

المؤسس المشارك لموقع Vice, رجل مسلم باكستاني الأصل كندي الجنسية، واسمه Surosh Alevi, من خريجي جامعة McGill University, استنشق ذات مرة ولأول مرة في حياته بودرة هيروين، وهو في حفلة صغيرة مع أصدقائه بالجامعة عندما كان يدرس بمرحلة الماجستير الأكاديمية، نزولًا عند رغبة أصدقائه وفضولًا منه في خوض التجربة بنفسه.

انتهى به المطاف أن أصبح مدمنًا، وانخفض مستوى أدائه الجامعي، ولاحظ ذلك أبواه المقيمان في كندا، وهما من ذوي الشهادات الأكاديمية العليا، فأدرجا ابنهما في برنامج إعادة تأهيل صحي مكثف لعدة أشهر حتى استرد عافيته.

وانخرط بعد ذلك في إعداد التقارير الإخبارية من مواقع الحروب الطاحنة حتى أضحى أيقونة ناجحة في الإعلام الحربي، ومنذ فترة ماضية أدرجت أسهم شركته في مؤشر داو جونز ببورصة نيويورك المالية العالمية.

وحاليًا يقطن سيروش في نيويورك مع زوجته وابنه الوحيد.

للشغوف بالمزيد عن قصة سيروش يمكنه الرجوع إلى الرابط المرفق أدناه.

ختامًا

في أي مجتمع يعج بالطبقية يتم التستر على جرائم وإدمان النخب وأبناء النخب، وفي ذات الوقت يتم التنمر وإنزال أقدح العبارات والصفات على أفراد العوائل الأقل حظوة اجتماعية لأتفه سلوك أو تصرف.

وعليه، على أرباب الأسر الحكماء حسن اكتساب قلوب أفراد أسرهم مبكرًا ليكونوا نِعم الربان، وينجحوا في إدارة دفة سفينة الحياة والنجاة بهم من وباء الإدمان غير المحمود العواقب. التربية السليمة سر من أسرار النجاح.