رسالة شكر لأبناء وبنات الأصول
شكرًا لأبناء وبنات الأصول لأنكم سقيتم وغرستم أشجار الأدب المحمود، والأخلاق الحميدة، والتواضع، والتعاضد، والشجاعة، والثبات، والعفة، والحشمة، والرحمة، والوفاء، ونبذ الخلاف، ونبذ الرياء، والابتعاد عن المناكفات، وتجنب مواطن الفسق، وتفادي أهل الرذيلة، وتحصين المجتمع من الفجور في الخصومة، والحث على الرحمة، ومد يد العون للمحتاج، والتحنن على اليتامى، والأمر بالخير، وصلة الرحم، والإيثار، وترويض نزعات الهوى، وتهذيب النفس.
في عالم تزداد فيه رقع الحروب، وأصناف الجرائم، وتعدد الاضطرابات، وقلة الحياء، وكثرة أفعال أهل الشر، وسطوة أهل الرذيلة، وجود أبناء وبنات الأصول جعل الله الدنيا بهم أقل وحشة وأكثر استقرارًا وأمانًا واستئناسًا ورحمة.
فشكرًا لكم، وشكر الله حسن وفاءكم وتفانيكم، وثبّتكم الله على الحق وقوة البصيرة.
يقال بأن البيوت أسرار؛ فهل هذا القول يصمد في ظل انتشار ”سنابات“ لبيوت تكشّفت دواخلها وتفاصيل ما يدور فيها؟!
ويقال بأن المجالس أمانة، فهل هذا القول فقد معناه في ظل انتشار مقاطع متداولة لأحداث مزعجة ومذهلة دارت بمجالس من المفترض أن تكون مغلقة!!
مع شديد الأسف، هوس صنع المحتوى الرقمي وبثّه على بعض قنوات التواصل الاجتماعي وصل لدى البعض حدود كسر الخطوط الحمراء، والخوض في خصوصيات الخصوصيات، وأعراض لا يليق أن تتحدث بها النساء ولا الرجال في أي مكان، ولا أمام أي أشخاص، فضلًا عن فضاء العالم الرقمي.
إلا أن الهوس في هذا الجانب تمادى عند البعض، حتى أضحى بعض المراهقين والمراهقات والأطفال يتجاسرون بالخوض صوتًا وصورةً في أمور يعفّ اللسان عن ذكرها.
في ظل تمدد هذه الغُمّة السوداء من شنائع تطبيقات التواصل الاجتماعي، ومن سقوط البعض في أوهام الجرأة اللاأخلاقية والشهرة عبر التحدث في الرذيلة بصور فجة ولسان سيئ، أو بتهشيم قيم الفضيلة بالتهكم تارة، والغمز واللمز تارة أخرى، نشعر وإياكم بالامتنان والثناء، حقًّا واجب توجيهه عبر رسالة شكر لأبناء وبنات الأصول ممن يعيشون حولنا وفي أرجاء العالم.
وندعو الله العلي القدير أن يكثر عدد وعدة أبناء وبنات الأصول، ويعلي كعبهم وأثرهم، ونتقدم لهم بالشكر والثناء والمودة والاحترام والدعاء.
فبوجود أبناء وبنات الأصول ذوي الحشمة والعفاف والأخلاق الحميدة والسلوك المحمود، أضحت دنيانا أكثر استقرارًا ورحمة وسعادة وأمانًا، وأصبحنا وإياكم نطمئن بأن الدنيا ما زال بها خير، وتشرأب أعناقنا بمصاهرتهم وصداقتهم، والارتواء من جميل أخلاقهم.
ونهيب بأبناء الأصول كبارًا وصغارًا بزيادة إنتاج المحتوى المكتوب والمرئي في العالمين الرقمي والواقعي لبثّ روح التفاؤل وصنع الأفضل من الإنسان ومحيطه وقادم أيامه.
قديمًا، قيل إن العرب القُدماء يرون أن من يتصدر المجلس لا بد أن يكون لابسًا للعمامة، وإن تصدّر المجلس رجل كاشف الشعر فإن ذلك يُصنف على أنه من خوارم المروءة. لك أن تتخيل ما آل إليه الحال في يومنا هذا في بعض بقاع الدنيا!
وكان العرب القُدماء يهبّون هبّة رجل واحد معاضدةً ومؤازرةً إن نزل بأحدهم فرح أو ترح، أو عقد العزم أحدهم على حلٍّ أو ترحالٍ من سكنٍ، ويستقبحون من يخذل صاحبه أو ابن عشيرته أو اكتفى بأن يتفرج عليه. لك أن تتخيل ما آل إليه الحال في بعض البقاع والمجتمعات من تهشّم وتندر وخذلان ومشاكسات وتنافر ولا مبالاة!
وكان العرب القُدماء يهبّون هبّة رجل واحد عند نزول ضيف برحالهم، وحديثًا تعرّض مفهوم الكرم لصدمات مهينة ومشينة وخارمة للمروءة.
لك أن تتخيل أن الكرم أضحى يُقاس بالأقوال الانفعالية والهياط، وبعض صور قد تُحمل محل الرياء، وتنصبّ الاهتمامات في شكل حملات ترويج للمقاطع المصوّرة في مواقع السناب والفيس بوك للأكل والموائد، بدل أن يُعرف الكرم بحسن الضيافة ومقدار الاتزان والحفاوة بالضيف وتبادل علوم الحكمة والفروسية، وتدارس فنون إدارة الحياة، والمحافظة على خصوصية الدعوة في نطاق المدعوين، واحترام كرامتهم، وحفظ ما دار من حديث، ومنع نشر أو إعادة نشر الدعوات الخاصة عبر الفضاء الرقمي، وحجب البث في مواقع التواصل الاجتماعي مثل سناب شات وأخواتها لكون الدعوة خاصة، ومحاسبة من يسيء استخدام اللقطات التصويرية لأي دعوة.
كان الفرسان الحكماء الأمناء والحمام الزاجل أداةً لنقل الأخبار الهامة بين رؤساء العشائر، واليوم أصبحت معظم مواقع التواصل الاجتماعي ساحات لبث الإشاعات، وإضرام النزاع، وبدء التراشق، وإطلاق حملات الفجور والمجون والتحريض بكل أنواعه، والتسويق والتباهي والتفاخر والتهكم والقذف.
كما أنها أيضًا ساحات للتعلم والحوار واستنطاق الحكم والاتعاظ ونقل التجارب البشرية ونشر المعلومة والتثقيف والبحوث العلمية.
أي إن منصات التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين، يخدم العدو المتربص ويستعدي الصديق الصدوق، كما أنه يغذي عقل العاقل ويرشد الباحث.
وأرى شخصيًا ضرورة ضبط الإيقاع في مجالات عدة، لأنه إذا لم تُضبط الأمور بأخلاق الرجال وأبناء الأصول والعرف الرشيد والقانون العادل، تحولت الساحات الرقمية إلى منبر لصنع التنابز والهمز واللمز والتنافر، ووقود للرياء وخلق الكراهية، وبث التراشق، وتحفيز الانشطار العمودي والأفقي داخل كل كيان، وترويج للرذيلة، ونسف للقيم.
وقد تكون يومًا ما المواد والمعلومات والصور والبيانات الرقمية أداةً لإضرام الفتن وتفريق الصفوف.
فليكن أبناء الأصول هم القدوة، لا أصحاب السنابر الترويجي المُثقل بالأنانية وحب المحاسن اللحظية.
يقال إن التسويق جزء من كتاب البيع وليس الكتاب كله.
في عالم اليوم، أضحى عدد غير بسيط من الناس يسوّق نفسه كما يُسوّق لأي منتج عبر تطبيقات التواصل الرقمية مثل سناب شات، فيدوّن يومياته وحفلاته وتسوقه ورحلاته وطعامه في الوجبات الثلاث وغدوه وإيابه وملابسه وعطره وحيثما حلّ، ظنًا منه أن هذا وذاك يبرز قيمته، ويزيد عدد معجبيه، ويجعله وجيهًا في المجتمع!
وإن ضمرت مهاراته في التسويق لذاته يومًا ما، أضاف وأدرج في دعواته وسفراته ومناسباته شخصًا يجيد استخدام منصات التواصل الاجتماعي الرقمية، وهو ما يسمى سنابر أو يوتيوبر مشهور، لترويج نفسه ولِما يود أن يسوّق له عبر صنع الولائم أو إطلاق الحفلات الموثقة بالمنصات أو عرض نجاحاته وسفراته ومغامراته… إلخ.
والواقع أن كل تلك الحملات الترويجية لفلان أو علّان هي مرحلة أو جزء من كتاب. أتمنى من المؤلفين أن يشاركوننا تصورهم لباقي الأقسام من فصول كتاب حياتهم!
لا ننكر أن البعض أو الأغلب سقط أو سيسقط في فخ ”حشر مع الناس عيد“، إلا أن الإدراك وتدارس الأمور بروية يفرضان علينا استخدام المنطق وعقلنة السلوك.
أرجو الاستفادة من خيار الناس وأدبياتهم وسلوكهم، لئلا يُسلِّط الله عليكم شراركم، ولا يُستجاب لخياركم.
وأتمنى ممن أعماه حب المال أو أعماها حب الرذيلة أن يراجع نفسه أو تراجع نفسها بالعزوف والإعراض عن عرض أو ترويج أي مادة إعلامية تُعد من سفاسف الأمور أو تُغضب الله، فالجميع بالنسبة إلينا امتداد من شجرة واحدة.
والأفكار الإبداعية والجميلة والهادفة والعلمية الرصينة والأخلاقية السامية والتربوية المفيدة ما زالت كثيرة جدًا، وتحتاج إلى طاقة الجميع في التحدث بها وإبرازها.
فالجميع، إن شاء الله، أبناء أصول وبنات أصول بجميل عمله وطيب أثره وحسن صنيعه، لا بنسبِه أو أمواله أو كثرة عدد أبناء قومه.














