آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 4:59 م

الثقة بوابة النجاح!

عبد العزيز حسن آل زايد *

في أعماق كل إنسان، توجد حكاية لم تُروَ بعد، وصوت خجول يخشى أن يرى النور! هذا الصوت ليس مجرد كلمات، بل هو وعي كامل بذاتك، هو إقرارك الحاسم بأنك مستحق، وأن لك مكانة تستحقها في هذه الحياة.

كثيرون يعيشون كظلٍّ عابر، يراقبون من بعيد، ينتظرون اللحظة التي تمنحهم فرصة الكلام، يظنّون أن الحياة ستفتح لهم أبوابها إذا كانوا صامتين، أو إذا لم يزعجوا أحدًا بفِكرهم المختلف. لكن الحقيقة الناصعة أن الإذن لا يُمنح، بل يُصنع. فهل جرّبت أن تكسر الصمت وتطرح فكرك بصوت جهور؟

الثقة بالنفس ليست خطة عمل، بل هي رحلة اكتشاف، هي ليست بناءً يكتمل في يومٍ وليلة، بل عملية حفرٍ عميقةٍ في تربة الذات؛ بحثًا عن جذور القوة التي نسيناها. إنها التحوّل من كائنٍ ينتظر إلى كائنٍ مبادرٍ يعشق تعليق الجرس.

فلِمَ لا تغيّر موقعك من كونك مجرد تابعٍ بسيطٍ إلى قائدٍ يحرك المسيرة، من ظلٍّ معتمٍ إلى نورٍ مشرق؟! هي ليست غايةً بحد ذاتها، بل هي البوابة التي ندخل منها إلى عالمنا الحقيقي؛ فكل خطوةٍ صغيرةٍ تخطوها في هذه الرحلة هي بناءٌ لثقةٍ راسخةٍ لا تهتز.

أسرار لغة الجسد

كلنا يعلم أن اللغة عبارة عن كلماتٍ منطوقة، لكننا ننسى أحيانًا أن لهذا الجسد لغةً أعمق وأصدق، هي لغةٌ تسبق الكلمات وتكشف ما تخفيه الألسنة.

تأمل في شخصٍ يقف أمامك بثبات، دون تشتتٍ في عينيه، أو ارتعاشٍ في يديه، وكأن الأرض من تحته هي امتدادٌ له. عندما ينظر إليك مباشرة، هو لا يوجّه إليك تحديًا، بل يوجه إليك دعوةً صامتةً للإقرار بوجوده. في تلك اللحظة، لا يخبر الآخرين أنه موجودٌ فحسب، بل يخبر نفسه أنه يستحق أن يُرى.

هذه النظرة الثابتة هي مرآة داخلية، تعكس مدى تصالحه مع ذاته، وهي أول حجرٍ يضعه في بناء ثقته.

على النقيض، هناك أجسادٌ تشبه العواصف، صاخبةٌ وحازمةٌ في الظاهر، لكنها تخفي هشاشة النفس في داخلها، وهناك أجسادٌ أخرى تشبه السعف المرتعش، تنتظر الريح لتدفعها.

لكن لغة الجسد التي تحمل الثقة هي التي تبدو هادئةً وممتلئة، نبرة الصوت ليست عالية، بل عميقةٌ وحاسمة، وكأنها تأتي من أعماق الوعي.

إنها ليست صوتَ من يريد أن يسيطر، بل صوتَ من يعرف أنه يمتلك القدرة على ذلك! لديه ما يكفي من الحزم، ليس في صخب الصوت وزمجرته، بل في عمق الحضور وصدق الوجود.

لغة الجسد الواثقة تروي قصةً كاملةً عنك دون أن تنطق بكلمةٍ واحدة، هي عقدٌ مكتوبٌ بينك وبين العالم، يحدّد شروط وجودك.

وقد أثبتت دراسات علم النفس أن تبنّي وضعياتٍ جسديةٍ قويةٍ يمكن أن يؤثر فعليًا على كيمياء الدماغ، مما يعزّز شعورك بالثقة والسيطرة.

مفتاح الثقة بالنفس

لنبدأ بهذه التساؤلات: لماذا نخشى المبادرة بالحديث؟ لماذا ننتظر الآخرين ليفتحوا لنا الأبواب؟ هل تعلم أن كلُّ كلمةٍ تبدأها هي إعلان استقلال، وخطوةٌ تخطوها نحو الأمام، هي شهادة فخرية تثبت بها لنفسك أنك جديرٌ بأن تبدأ رحلتك، وأنك لست في حاجةٍ لمن يدفعك؟

في كثيرٍ من الأحيان، يكون حاجز التعبير عن الرأي هو اعتقاد أن آراءك لا قيمة لها، أو أنها لن تختلف كثيرًا عن آراء الآخرين، وهذا قد لا يكون صحيحًا؛ فكل واحدٍ فينا له ذائقته الخاصة.

إن التعبير عن الرأي ليس ترفًا، بل هو حقٌّ عليك انتزاعه لنفسك… هو رسالة تؤكد لك أولًا أنك تستحق أن تُسمع، وأن صوتك له قيمة، حتى لو كان رأيًا يتيمًا يخوض عُباب بحرٍ مختلف.

هل تعلم أن هذا الطريق المتفرّد يُسمّى في علم النفس «أثر الأسبقية»، حيث يميل العقل البشري إلى إعطاء وزنٍ أكبر لأولى المعلومات التي يتلقاها عن شخصٍ ما، مما يجعل مبادرتك ترسّخ انطباعًا إيجابيًا عنك.

كلنا سمعنا قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: الآية 11] … أتظنّ أن هذا الخطاب مجرد إرشاد، أم أنه دعوةٌ عميقةٌ لنعمل من الداخل لإحداث الفرق في الخارج؟

عليك أن تعرف أن التغيير يبدأ منك أنت، من قرارك أن تكون الصوت الأول، أن تؤمن بأن فكرتك تستحق أن تُسمع. ثقتك بنفسك ليست ترفًا، إنما هي مسؤولية تجاه ذاتك وتجاه هذا العالم، وصمتك قد يحرم العالم من فكرك الفريد، فربما تحل مشكلة، أو قد تضيء طريق أحدهم.

التحدي مسار القوة

نتعرض جميعنا للتحديات، وقد نشكّ في مقدرتنا على تجاوزها، إلا أننا نستطيع مواجهة هذه التحديات مع التحلّي بالشجاعة… علينا أن نعترف بهذه الصعوبات ثم نقبل التحدي، عليك أن تقول لنفسك: «أنا قادر على تجاوزها».

والآن، تأمل هذه القصة: يُحكى أن رجلًا أوشك أن يفقد كل شيء، ليس بسبب نقصٍ في قدراته، بل بسبب تردده؛ كان هذا الرجل يخشى المغامرة ويفضّل البقاء في منطقة الراحة، حتى أدرك أن ثمن هذه الراحة إضاعة الفرص.

وفي لحظةٍ من لحظات اليأس، قرر أن يخطو خطوةً واحدةً، خطوةً صغيرةً ومترددةً، لكنها كانت كافية. وعندما واجه التحدي، اكتشف في داخله قوةً لم يعهدها! لم ينتصر على كل شكوكه دفعةً واحدة، لكنه استطاع أن يتجاوز العقبات في كل مرة، ثم أدرك أنه تحوّل من شخصٍ يهرب من ظله، إلى شخصٍ يمسك بزمام أموره.

فماذا تستفيد من هذه الحكاية؟ هذا هو بالضبط جوهر الثقة بالنفس، الثقة بالنفس ليست حصانةً من الشعور بالتردد، بل هي إيمانٌ بأن لديك القدرة على التغلب على الظروف والتحديات.

إن كل تجربةٍ صغيرةٍ تتغلب فيها على تحدٍّ ما هي حجرُ أساسٍ في بناء ثقتك بنفسك؛ بمعنى أن كل تحدٍّ هو رسالة، وكل تعثّرٍ هو فرصة، وكل نجاحٍ هو شهادة على قوتك الداخلية.

في ختام المطاف نقول لك: دع صوتك يرى النور. بناء الثقة ليس نهاية الحكاية، بل هو مسارٌ مستمرٌّ من الوعي والممارسة والتحدي! كل خطوةٍ صغيرة، وكل كلمةٍ تُقال بثبات، هي شهادة على قدرتك على امتلاك حياتك، وإعادة رسم حدودك، ومنح صوتك حقه في الوجود.

في نهاية هذه الرحلة التأملية، نصدع بالسؤال الأعمق: هل أنت مستعد لأن تكون صاحب هذا الصوت؟ هل ستقرر أن هذا اليوم هو نقطة التحول، وأن وجودك يستحق أن يُرى ويُسمع؟

تذكّر دائمًا أن القوة بداخلك، والقدرة على التغيير حقيقية، وأن الثقة تبدأ بخطوةٍ واحدة، وبصوتٍ واحد، وبإيمانٍ عميقٍ بذاتك. ومهما كانت العواصف من حولك، ومهما كانت الشكوك في داخلك، تذكّر هذه الآية المباركة التي تقول:

﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: الآية 139]

هذا ليس مجرد وعد، بل هو إقرارٌ بأن القوة فيك، وأنك ستحقق غاياتك وأحلامك إذا آمنت بنفسك.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد يوسف آل مال الله
[ عنك ]: 26 / 10 / 2025م - 10:49 ص
أستاذ عبدالعزيز…
هذه المقالة بل هذه الخطبة إن صح التعبير من أروع ما قرأت حول الثقة بالنفس.
شكرًا لعطائك ومدادك الكبير. نعم الثقة بالنفس تبدأ مع اول خطوة تأخذها نحو معرفة ذاتك.
إداري في مركز التنمية والإبداع-خريج جامعة الملك فيصل بالأحساء «العوامية».