وردة قاومت العاصفة
إلى الملهمة الدكتورة عبير المهدي
في مساءٍ هادئ، جلست عبير أمام نافذتها، والمدينة تذوب في أضواء المساء، كأنها تستمع لصوتٍ لا يسمعه سواها، صوتٌ خافت يهمس في أعماقها: ما زلتِ هنا، ما زالت تتنفسين الحياة، بكل ما فيها من وجعٍ وأمل.
كانت تستعيد شريط رحلتها الطويلة مع الألم والحزن والتعب، رحلة بدأت بزلزالٍ وانتهت بإيمانٍ راسخ.
بدأت الحكاية في عام 2018، حين تسللت الصدمة إلى يومٍ عادي من أيامها.. كانت غارقة في دراستها، منشغلة بمستقبلها، حين جاءها الخبر كزلزالٍ غير متوقع:
”أنتِ مصابة بالسرطان“.
سقطت الكلمات عليها ثقيلة، حتى كادت الأرض تضيق بها.. لكنها لم تبكِ، ولم تحزن طويلاً.. فوسط الصدمة، مدت لها صديقاتها المصابات أيديهن بحكاياتٍ عن القوة والأمل، فنهضت من بين الخوف لتواجه العاصفة.
كانت تلك القصص بمثابة الضوء في الظلام، والماء بعد عطش، منها استمدت عبير عزيمتها، وأيقنت أنها ليست أضعف من غيرها.
عانقت أبناءها، ونظرت إليهم بعين الأم التي لا تعرف الهزيمة، وقالت لنفسها:
”من أجلهم... ومن أجلي، سأقاوم“.
كان زوجها سندًا لا يغيب، يشاركها الألم والرجاء، يزرع حولها طمأنينة تشبه الأمان.. ومع العلاج والرجاء، بدأت تستعيد عافيتها شيئًا فشيئًا، حتى ظنت أن الرحلة قد انتهت.
لكن بعد عامين من الهناء، عاد المرض من جديد، أكثر قسوة هذه المرة.. فشدّت الرحال إلى أمريكا، وهناك بدأت فصلًا آخر من الصراع.
كانت الأيام الأولى ثقيلة، والليل أطول من أن يُحتمل.. غير أن عبير لم تستسلم.. بل قررت أن تُعيد تشكيل حياتها من جديد، أن تواجه الابتلاء لا بالخوف، بل بحب الحياة.
في صباحٍ رمادي، نظرت إلى انعكاسها في المرآة، وقالت بصوتٍ حازم:
”كفى خوفًا... سأبدأ من جديد“.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت تمارس الرياضة، التحقت بحصص اليوجا، وتعلمت كيف تصغي إلى جسدها بروحٍ مطمئنة. كل صباح كانت تفتح عينيها على يقينٍ متجدد بأن الله معها، وأن كل وجعٍ يمرّ بها إنما يحمل خيرًا خفيًا.
اليوم، وهي تتحدث عن تلك التجربة، لا ترويها كحكاية ألم، بل كرحلة إيمان.. تقول بابتسامةٍ يملؤها النور:
”بدأت رحلتي بصدمة... وانتهت بقناعة راسخة أن كل ما يأتي من الله هو خير. وما دام القلب متوكلاً عليه، فحتى الصراع يصبح طريقًا إلى النور“.
هكذا خرجت عبير من عاصفتين، لا لتنجو فقط، بل لتزهر من جديد.













