آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 1:30 م

وفاء الكلمة وسمو الذاكرة

زكي الجوهر *

حين يكتب الأوفياء عن أهل الفضل، تتحول الكلمة إلى شاهدٍ من شواهد الوفاء، وتغدو المقالة مرآةً للضمير الإنساني الذي يقدّر المعروف وأهله.

وقد تجلّى هذا المعنى بوضوح في المقال البليغ الذي كتبه الدكتور محمد إياد العكاري بعنوان «كريمٌ قدم إلى البر الرحيم»، والذي خصّ به رثاء الشيخ محمد بن حمد الجبر - رحمه الله - أحد رجالات الأحساء الذين تركوا بصمةً إنسانيةً عظيمة في مجالات البر والخير والعطاء.

لم يكن الشيخ محمد بن حمد الجبر مجرد شخصية اجتماعية أو وجيه معروف، بل كان مثالاً للكرم النبيل الذي يتجاوز العادة إلى العبادة، والعطاء الصامت الذي لا يُنتظر منه جزاء ولا شكورًا.

عرفه الناس كريم النفس، لطيف الخلق، قريب القلب، يعمل الخير في الخفاء كما يضيء القمر في العتمة، لا يعلن عن عطاياه ولا يتحدث عن مبرّاته، بل يجعلها خالصةً لوجه الله تعالى.

وقد امتدت أعماله الخيرية لتشمل بلدانًا عدة داخل المملكة وخارجها، حتى أصبحت سيرته عنوانًا للإنسانية والبذل.

لقد أجاد الدكتور العكاري في مقاله حين تناول سيرة الراحل بعين العارف لا بعين الراوي، فكتب من عمق التجربة الشخصية ومن ذاكرةٍ تنبض بالصدق.

كان مقاله لوحةً من الوفاء النبيل، جمع فيها بين صدق الشعور ودقة التعبير، فاستحق أن يُعدّ وثيقة إنسانية تحفظ للشيخ الجبر مكانته بين رجالات الخير الذين لا يطويهم النسيان.

إن الكلمات التي سطرها الدكتور العكاري ليست مجرد رثاءٍ لراحلٍ كريم، بل رسالة تذكيرٍ للأجيال بأن العظمة لا تُقاس بما يُقال في الحياة، بل بما يُخلَّف بعدها من أثرٍ جميل وسيرةٍ باقية.

فرحم الله الشيخ محمد بن حمد الجبر، وجزاه عن الخير والإحسان خير الجزاء، وجعل ما قدمه في موازين حسناته، وبارك الله في من كتب عنه بصدقٍ وحسٍّ إنساني رفيع.

فما أجمل أن تبقى الكلمة جسرًا بين القلوب، تحفظ للرجال مآثرهم، وتُبقي ذكراهم حيّةً في ضمير الوطن.