آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:21 ص

توريخ القدوات

محمد يوسف آل مال الله *

يقول سبحانه وتعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: الآية 21]

لماذا نحتاج إلى توريخ القدوات؟

ثق تمامًا أنّ الأمم التي لا تحفظ سير رجالاتها ونسائها العظماء تُعرّض نفسها لفقدان ذاكرتها. فهؤلاء القدوات هم صفحات مضيئة في كتاب الحياة، وتجاربهم تستحق أن تبقى حيّة للأجيال، لا أن تُمحى مع مرور الزمن. فالقدوة ليس مجرد اسم في التاريخ، بل تجربة حيّة تُلهم وتُرشد. فقد ورد في الأثر عن سيد البشر أنّه قال: ”مَنْ ورّخ مؤمنًا فقد أحياه“.

عندما نوثق سيرة القدوة، فإنّنا لا نسجّل مجرد تواريخ وأحداث، بل نحوّل القيم إلى سلوك. فالصبر يصبح قصة حقيقية، والإخلاص يتحول إلى مواقف ملموسة، والتضحية تُروى بأحداث واقعية، لا بكلمات مجردة.

لقد استخدم القرآن الكريم سرد القصص، لا لأجل القصة نفسها، بل لما تحمل من عبر ودروس، فتوريخ أبطالها يعني إحيائهم للعبرة والدرس، فلو تأملنا وتدبّرنا كل قصة لوجدنا فيها الكثير من العبر والدروس التي من شأنها إحياء بطلها والقيم التي يحملها والدور الذي لعبه وكلّما قرأنا تلك القصة نجد فيها شيئًا جديدًا لم ليكن معلومًا لولا تلك الإعادة. يقول عزّ من قائل: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى [النازعات: الآية 26]

فالأجيال الجديدة تبحث دائمًا عن مَثَلٍ أعلى يُحتذى به. وهنا تبرز أهمية التوريخ: فهو يقدّم لهم قصصًا واقعية تثبت أنّ النجاح ممكن، وأنّ التغيير ليس حلمًا بعيدًا ورسالتهم ”إذا استطعنا نحن، فبإمكانكم أنتم أيضًا“.

في غياب التوثيق، يسهل على البعض أن يشوّه صورة القدوات أو يستغل أسماءهم لمصالح خاصة. لكن حين تُكتب سيرتهم بشكل صحيح وموثوق، تبقى الحقيقة واضحة وتبقى مكانتهم محفوظة.

القدوات ليسوا مجرد أشخاص مرّوا في التاريخ، بل هم جزء من هوية المجتمع. التوريخ لهم يعني أننا نحفظ جذورنا، ونبني وعينا بأننا أبناء حضارة غنية مليئة بالنماذج المشرقة.

توريخ القدوات ليس مهمة المؤرخين فقط، بل هو دور تشارك فيه المدارس، ووسائل الإعلام، والمجتمع كله. فالحاضر وحده لا يكفي لبناء المستقبل، بل نحتاج أيضًا إلى قصص الماضي التي تنير لنا الطريق.

توريخ القدوات ليس ترفًا ولا عملاً شكليًا. إنّه استثمار في الوعي والذاكرة، ورسالة للأجيال القادمة بأنّ هذه الأمة مليئة بأشخاص يستحقون أن يكونوا قدوة، وأنّ التوريخ ليس مجرد أوراق قديمة، بل بوصلة ترشدنا نحو غدٍ أفضل.