آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 9:11 ص

”المهدوية.. جدلية الإيمان والمواجهة“: كتاب جديد يقدم رؤية حضارية عالمية لمفهوم الخلاص المنتظر

جهات الإخبارية

صدر حديثاً كتاب ”المهدوية - جدلية الإيمان والمواجهة في الفكر العالمي والضمير الإنساني“ للمؤلف مجتبى الساده، ليقدم طرحاً فكرياً استراتيجياً عميقاً يهدف إلى تحويل مفهوم ”المهدوية“ من كونه عقيدة دينية تقليدية إلى مشروع حضاري وإنساني عالمي شامل، يعكس التطلعات المشتركة للبشرية نحو العدل والخلاص. ويأتي هذا الإصدار، الذي صدرت طبعته الأولى في عام 2025 م «1447 هـ» عن دار الطف للمعارف الأساسية في كربلاء بالعراق، ليسد فجوة في المكتبة العربية والمهدوية، مقدماً قراءة معاصرة تستوعب تحديات الواقع الراهن.

ويعتبر الإصدار، الذي يأتي في سياق مشروع أكبر لـ ”تعريف المهدوية للحضارات الأخرى“، خلاصة جهد بحثي يزاوج بين الرؤى الفكرية الرصينة والتحليل الواقعي المتجدد، مقدماً مفهوم المهدوية في فضاء الفكر العالمي كـ ”أفق للحرية والكرامة والتحرير الفكري الإنساني“. ويُشدد الكتاب على أن القضية المهدوية تتجاوز كونها مجرد محور فكري وعقدي، لتكون ”مشروعاً إنسانياً حضارياً“ يعكس تطلعات البشرية نحو بلوغ العدالة الإلهية المنشودة، بما يمثل درعاً في وجه الظلم والجور المتراكم.

المهدوية: جدلية الإيمان والمواجهة وصراع الوعي العالمي

ينطلق الكتاب من فرضية محورية هي ”جدلية الإيمان والمواجهة“، موضحاً أن الإيمان بفكرة الخلاص ليس مجرد انتظار سلبي، بل يرمز إلى التمسك بعقيدة روحية تعزز الأمل والعدل، في مواجهة صراع محتدم مع القوى التي ترفضها أو تحاول تشويهها واستغلالها. ويحلل المؤلف هذه الجدلية كـ ”معركة وعي وصراع إرادات“ يهدد مصالح القوى المهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية، مشيراً إلى أن الإيمان بمستقبل بديل بقيادة إمام عادل ليس شأناً غيبياً هامشياً، بل هو موقف حضاري يرفض الواقع المفروض ويسعى لتغييره جذرياً.

ويُبرز الإصدار كيف تتجلى المهدوية كـ ”ومِيض الأمل“ في عالم التحديات، وكيف تمثل تجلياً للإيمان الفطري الكامن في أعماق الإنسان الذي يدرك أن العدل ممكن. ويشير إلى أن هذا الوعي الفطري يصطدم بـ ”هيمنة سياسية بنيوية“ تعمل على إعادة تشكيل الوعي الإنساني لتحويله إلى كائن مستهلِك وخانع، مدركة أن فكرة ”الخلاص الشامل“ تهدد أسس سلطتها. ويرى المؤلف أن هذا التوق للخلاص هو حاجة إنسانية تتجاوز الحدود الجغرافية والدينية، وأنها تظهر في الوجدان الإنساني كقوة تحريرية لا تكتفي بتشخيص الظلم بل تفضح البنى الخانقة.

المخلص المنتظر.. جوهر مشترك في الديانات العالمية

يؤكد الكتاب على أن فكرة ”المخلِّص الموعود“ تشكل قواسم مشتركة راسخة بين الأديان السماوية الكبرى، بل والعديد من الفلسفات البشرية. ويلفت النظر إلى أن الينابيع التي تستقي منها الأديان معارفها حول المخلِّص هي ”الوحي الإلهي“، مما وحَّد أصل الفكرة وجعلها عقيدة ثابتة عند الجميع. وتوضح الدراسة أن النبوءات والبشارات في الكتب المقدسة «كالتوراة، والإنجيل، والقرآن الكريم» تشير بوضوح إلى مكانة المخلِّص في الفضاء الفكري والعقدي المشترك.

ويقدم المؤلف مقارنات مستفيضة بين رؤى الخلاص لدى أتباع الديانات السماوية، مشيراً إلى أن الإيمان بوحدة المصدر والهدف والغاية الكونية يؤكد أن المخلِّص المنتظر شخصية واحدة محددة بعينها. ويستنتج أن الخصائص والمواصفات الواردة في النصوص المقدسة لا تنطبق واقعياً إلا على الإمام المهدي المنتظر، خاتم الأئمة الاثني عشر. ويشير الكتاب إلى أن هذا التوافق يدل على أن فكرة المهدي تستند إلى قواعد راسخة ومتبنيات دينية وتاريخية وحضارية مقدسة، تهيئ الأرضية لثورته الإلهية الكبرى المرتقبة.

المهدوية في مرآة الغرب: نقد للاستشراق والحرب السرية

يخصص الكتاب فصولاً نقدية وتحليلية معمقة لموقف الفكر الغربي من القضية المهدوية، بدءاً من نظريات ”نهاية التاريخ“ في الفلسفة الغربية «كهيجل وماركس وفوكوياما وهنتنغتون»، والتي يرى أنها لم تكن سوى أدوات لتسويغ الهيمنة وتعزيز المركزية الغربية. وفي المقابل، يرى المؤلف أن الأطروحة المهدوية الإسلامية تقدم نموذجاً بديلاً يقوم على ”حركة مستمرة ومتصاعدة نحو العدالة“، متجاوزاً التفسيرات المادية.

كما يتطرق الكتاب إلى تحليل مسار الاستشراق في تناول المهدوية، مبيناً تحوله من قراءة دينية تاريخية «كلاسيكية» إلى قراءة سياسية وأمنية واستخباراتية «حديثة». ويؤكد أن هذا التحول يهدف إلى تشويه العقيدة وربطها بالتطرف والإرهاب، ضمن ”حرب سرية منظمة“ تشنها قوى الهيمنة العالمية «كالصهيونية واليمين الإنجيلي». ويشير المؤلف إلى أن الهدف الأساسي لهذه الحرب السرية هو إضعاف القاعدة الشعبية للإمام المهدي ومحاربة الروح الثورية الكامنة في العقيدة المهدوية.

دلالات العصر: تصاعد التوق العالمي للمخلِّص

يختتم الكتاب بطرح دلالات حول تصاعد الاهتمام العالمي بفكرة المخلِّص الموعود، مؤكداً أن الأزمات العالمية المتتالية «كالحروب، والأوبئة، والانحرافات الأخلاقية» قد أيقظت في وجدان الشعوب ”صحوة عالمية“ للبحث عن الأمل والخلاص. وتشير الإحصائيات والدراسات الاستطلاعية إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة من يعتقدون بقرب نهاية العالم وظهور المخلص، مما يعكس ”قلقاً وجودياً حقيقياً“ وفقدان الثقة بالنظم القائمة.

ويؤكد الكتاب أن هذا التوق العالمي يعكس حاجة البشرية إلى ”مرشد رباني“ يتجاوز الأطر التقليدية، وإلى نظام قيمي جديد يوازن بين المادة والروح. وبناءً عليه، فإن تعزيز الإيمان بالمخلِّص في وجدان الشعوب يمثل جسر حضارات يعزز الأمل والتفاؤل ويحقق العدالة والحرية للجميع.