كيف تربي ابنك اقتصاديا؟
مع كتاب ”جمال.. كيف تربي ابنك اقتصاديًا؟“ من قصص الحياة، للمؤلف د/ ماهر محمد آل سيف، الطبعة الأولى 1445 هـ / 2023 م
بأسلوب قصصي بسيط… ستقرأ في هذا الكتاب المواضيع التالية:
السبب قبل الذهب / الحرب المالية / المشاريع المشتركة / قراري اقتصادي / كيف تتخلص من الديون / عليك الفكرة وعلينا التمويل، إلى آخر المواضيع المميزة المطروحة في الكتاب.
همسة من المؤلف: لكي لا يصيبهم الفقر، علِّموا أطفالكم الاقتصاد.
إنها من الهمسات الحانية التي تحدث في تلك الغرف السرية المغلقة، عبارة لن تسمعها إلا في الأحاديث الأبوية الصادقة. بطلاها أب يحلم بمستقبل مشرق لأولاده، وابن يحلم أن يصل في مكانته وعلمه وعمله إلى ما وصل إليه أبوه.
تقول العبارة: ”أريدك أن تكون أفضل مني“. كان جمال في أوج شبابه عندما سمعها للمرة الأولى من أبيه، الذي يحب استراتيجيته، ويراه مثلاً يقتدي به في معاملاته الحياتية والمالية والعملية. كيف لا؟! والدكتور طاهر نار على عَلَم.
على الرغم من تعب الطريق ومشقة المسافات الهائلة التي قُطِعت بالطائرة، إلا أنه من الإجحاف بحق فيينا أن يناما طويلاً، ويضيعا الوقت والفرصة.
جمال: ماذا نعني بالتحوط عامة، والتحوط بالذهب خاصة؟
صادق: التحوط يا بني هو الحيلولة دون وقوع المحذور، والمحذور في الاقتصاد هو الوقوع ضحية الفقر والهزيمة أو ضياع المال وقيمته. رأى أن نظرات جمال تحمل علامات استفهام، فواصل حديثه قائلاً: دعني أشرح لك الموضوع باستفاضة أكثر.
عندما لا تدخر أموالك أو لا تديرها بالشكل الجيد، فستضيع منك، لتصبح وقتها على عتبة الفقر، وعندها ستشعر بالضعف، وبالتالي ستكون عرضة للهزيمة والانهيار أمام أبسط الظروف. ولتجنب هذا الموقف لا بد لك من التحوط المالي. أما عن الكيفية فسيفيدنا فيها الدكتور طاهر.
طاهر: بارك الله فيك، أوجزت وأجدت كعادتك يا دكتور صادق.
كانت نظرات جمال حائرة، لا تعرف مستقراً لها، وهناك الكثير من الأسئلة التي تقفز إلى عقله، وتتشابك فيما بينها فتجعل عقله يتوقف للحظات.
جمال: ولكن كيف أتحوط؟
طاهر: هناك كثير من الطرق. فالكثير منا يتحوط بإيداع المال في البنك، وهذا ما يعرف في الاقتصاد بالتوفير والادخار. لكن يا للأسف، فما يفعله الناس هو وضع المال في البنك كتحوط من الفقر، وهذا مفهوم خاطئ. لأن وضع المال في البنك دون أخذ فائدة عليه كوديعة ينقص من قيمته، أو بالمفهوم الاقتصادي يقلل من قيمته الشرائية، حيث إن القوة الشرائية للريال قبل عشر سنوات كانت أقوى مما هي عليه الآن.
جمال: ماذا يعني ذلك؟
طاهر: يعني أن الريال الذي كان يمكن أن يشتري علبة آيس كريم، الآن لا يستطيع. لذلك لا بد من أن يكون لديك ثلاثة ريالات لتستطيع أن تشتري نفس علبة الآيس كريم. ومن هنا نستخلص أن قوة الريال انخفضت مقارنة بالسابق.
جمال: إذن ما الحل في هذه الحالة؟ وما الاستثمار الأفضل برأيك يا والدي؟
طاهر: لا بد من البحث عن حلول أذكى تزيد من قيمة العملة التي لديك، ولا تقلل منها، أو استثمار يكون معاكِسًا لقيمة المال لديك.
الاستثمار الأول: أن تستثمر أموالك فيما يعود عليك بأرباح تزيد من مبلغ المال لديك. فمثلاً الوديعة يمكنها أن تزيد من أموالك.
أما الاستثمار الثاني: فهو في الذهب الذي تتناسب قيمته عكسياً مع قيمة العملة. فعندما تزيد قيمة العملة في الأسواق العالمية تقل قيمة الذهب، والعكس بالعكس، فعندما تنخفض قيمة العملة في الأسواق العالمية ترتفع قيمة الذهب. هنا يكون الذهب قد حافظ على قيمة رأس مالك من دون خسارة قيمته الشرائية. وقيمة الذهب مقارنة برأس المال تعتمد على عدة عوامل مثل: سعر الذهب في السوق العالمي، ونسبة الذهب في رأس المال، والتضخم، والعرض والطلب، والأخطار السياسية والاقتصادية.
اقترح عليهما الذهاب في جولة حول البحيرة، وبعدها تجربة ركوب الزلاجة الطويلة على الجبل المحاذي للبحيرة، وختم اليوم بوجبة عشاء. وصلوا إلى البحيرة في نهاية المطاف، والحق يقال ما زال النشاط وآثار الحماس باديًا عليهم.
عدنان: شكرًا لك يا دكتور، وأنا سعيد بالتواصل معك. مشكلتي أنه قد تراكمت عليَّ مجموعة من الديون، ولا أدري كيفية التخلص منها. لقد باتت ترهقني وتقلقني وتؤرق نومي. هل يمكن أن تقترح عليَّ طريقة لتخرجني من هذه الأزمة؟
طاهر: إن شاء الله، بكل سرور.
الشيء الأول: لتتخلص من الديون التي على عاتقك، يجب أن تفرق بين الحاجات والرغبات. يجب أن تعزم، وتعد نفسك جيدًا لبعض الإجراءات التي قد تكون صعبة في بدايتها. فتسديد الديون يتطلب منك أن تأخذ عهدًا على نفسك - مع إرادة قوية - لتغيير سلوكك المالي. لن تستطيع تغيير أي شيء ما دمت ستستمر على نفس نمطك المالي الحالي. كما يجب عليك أن تقوم كذلك بتوعية أسرتك.
الشيء الثاني: لا تقارن نفسك بأي شخص آخر، ولا تحاول أن تتباهى أمام الآخرين بطريقة عيش فاخرة وأنت مثقل بالديون. ولا تشترِ ملابس للتفاخر، بل اشترِ حسب مدخولك وميزانيتك. فلطالما وقع كثير من الأشخاص في فخ الديون الثقيلة فقط ليظهروا أنهم بأفضل حال أمام أصدقائهم ومن يعرفونهم.
سأقدم لك خطة للتخلص من هذه الديون، لكنها ستكون تحديًا ليس سهلاً بالنسبة إليك. فهل أنت مستعد لهذا التحدي؟
عدنان: نعم سيدي، فقد أنهكتني الديون.
طاهر: سجل معي هذه الخطوات الأربع:
الخطوة الأولى: إذا كانت لديك بطاقة ائتمانية، فلا تستخدمها أبدًا. بل من الأفضل أن تقوم بتقطيعها، لأنك تدفع اشتراكها، وهي تجعلك تشتري ما لا تحتاج بما لا تملك.
الخطوة الثانية: اكتب جميع مصروفاتك الشهرية، واجلس مع سيدة البيت والأبناء، وقوموا بتسجيل كل ما تريدون شراءه. ثم صنفوا المشتريات حسب الكماليات والأساسيات وغيرها. وكل شيء تضع له المبلغ الخاص به. وبعدها تقوم باختصار المبالغ، أي تقليل المصاريف. وقم بالاتفاق مع أبنائك على أنكم ستضغطون على أنفسكم لمدة سنة، لكن بعدها سيتحسن نمط حياتكم.
عدنان: ولكن هل من الحكمة إدخال زوجتي وأبنائي في هذه الدوامة؟
طاهر: بل هو عين الحكمة. فيجب على الجميع أن يعرفوا التزاماتهم، وما لهم وما عليهم. وأكمل قائلاً: إذا لم تقدروا على الاستمرار سنة، يمكنكم تطبيقها لشهرين، بعدها يمكن أخذ شهر راحة، ثم تطبيقها لشهرين آخرين، وبعد ذلك أيضًا أخذ شهر راحة، وتستمر العملية.
الخطوة الثالثة: يجب التوفير من إجمالي مصروفاتك بنسبة 20%، ولا تراكم ديونًا أخرى أبدًا خلال هذه المدة. والمبلغ الذي توفره اتركه جانبًا.
الخطوة الرابعة: رتب ديونك من الصغير إلى الكبير.
الخطوة الخامسة: سدد الأقساط التي عليك من القروض. والدَّين الصغير قم بتسديده أولاً، وأضف إليه المبلغ الذي وفرته من مصروفك حتى تقوم بإنهائه بسرعة. وإذا كان بإمكانك تأخير أي قسط من الأقساط الأخرى يمكنك إضافته أيضًا إلى قسط الدَّين الصغير لتتخلص منه سريعًا. ثم تنتقل بعد ذلك للتركيز على القرض الثاني. في البداية تسدد الأقساط كاملة، وتضيف إليه ما كنت تدفعه في قسط الدَّين الأصغر المنتهي، بالإضافة إلى ما تدخره حتى ينتهي كذلك بسرعة. ثم تنتقل إلى الدَّين الثالث، فتقوم بنفس العملية. فبعد إنهاء الدَّين الأول والدَّين الثاني وتسديد جميع الأقساط، تقوم بتسديد قسط الدَّين الثالث، بالإضافة إلى ما كنت تسدده في القسطين الأول والثاني، مع ما تدخره، وهكذا.
الأهم هو: أن تقوم بتغيير سلوكك المالي حتى تتمكن من أداء جميع ديونك، ويجب عليك أيضًا أن تقنع أهلك.
