الدكتور سعيد الشميمي.. مشرطٌ يخطّ على جسد الوطن سفرًا من الفخر
في شروق الطب حيث يلتقي الضوء بالمشرط، ويتحوّل صمت غرف العمليات إلى موسيقى تُعزف على أوتار الأمل، يظهر اسمٌ يكتب إنجازاته بمداد الوطن: الدكتور سعيد بن جعفر الشميمي. طبيب لم تَضِقْ به قاعات الجامعة، ولا اتّسعت لإنجازاته جدران المستشفى وحدها، كونها تجاوزت سيرته حدود الوطن إلى فضاءات العالم، ليصبح عنوانًا للقدرة السعودية على صناعة التميّز، وملمحًا من ملامح الفخر الوطني.
وُلد الدكتور الشميمي عام 1979، ليخطّ لاحقًا دربه بين مشرط لا يعرف التردّد، وقلب لا يعرف سوى البذل. يعمل اليوم استشاريًا للجراحة العامة والمناظير، مختصًا بالجهاز الهضمي العلوي في مستشفى الملك فهد الجامعي بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل. وفي رحلته العلمية، ابتُعث إلى جامعة يونسي الكورية الجنوبية، حيث تمرّس على جراحة الجهاز الهضمي بالمنظار والروبوت، وهناك صعد منصة التكريم ليُتوج بجائزة أفضل ورقة علمية في مؤتمر سرطان المعدة بمدينة ديغو، في مشهد كلحظة شخصية، علاوة على أنها وثيقة تثبت أن العلم السعودي حاضر في المحافل العالمية بكل قوة.
غير أنّه لم يعد إلى الوطن بأوراق وذكريات فقط، لكنه عاد وهو يحمل معه روح المبادرة، فكانت يداه أوّل من قاد فريقًا طبيًا نجح في إصلاح تهتك شديد في المريء لمريض متقدم في السن، في عملية غير مسبوقة عالميًا، وصفتها الجامعة بكونها ”الأولى من نوعها في العالم“. لم تكن هذه العملية مجرد إنقاذ لحياة، كانت كتابة لسطر سعودي جديد في كتاب الجراحة العالمية.
ولأن المبدعين لا يتوقفون عند محطة واحدة، كان للشميمي أن يُدخل إلى المملكة عمليات نوعية مثل عملية لينكس «LINX»؛ وهي زراعة جهاز مغناطيسي يُغلق الصمام بين المريء والمعدة ليمنع الارتجاع الحمضي، وهي تقنية لا تتوافر إلا في مراكز عالمية متقدمة. كما قاد عمليات معقدة مثل استئصال ورم سرطاني كامل للمعدة مع الغدد اللمفاوية وإعادة بناء الجهاز الهضمي، حيث لا يتوقف الإنجاز عند إزالة الورم، بل يمتد إلى إعادة تشكيل حياة المريض، وكأن الجراحة هنا فنّ لإعادة كتابة الجسد.
وإلى جانب عمله في المستشفى الجامعي، انضمَّ إلى فريق عمل مستشفى السلام في الخبر، ونشر الحساب الرسمي صياغة تعريفية واضحة تقول: «فخرُ السلام أطبَّاؤُه… د. سعيد الشميمي، استشاري جراحة الجهاز الهضمي العلوي، خبرة تزيد عن 14 عام، يُكرِّسها في مستشفى السلام لتقديم رعاية طبية ووقائية لمرضانا وفقًا لأحدث التقنيات الطبية.».
هذه الإنجازات لم تبقَ حبيسة أروقة الجامعة أو صفحات المجلات الطبية، كونها وصلت إلى قلوب الناس؛ ففي شهادات المجتمع يصفونه بأنه طبيب مخلص، راقٍ في أخلاقه وتعامله، بارع في شرحه ونصحه، يُشعر المريض بالأمان قبل أن يلمس مشرطه جسده. وهذا الصدى الشعبي يوازي الجوائز العلمية، ويتجاوزها؛ لأنه لا يُشترى ولا يُخطط له، إنما يُزرع بالصدق والإخلاص والأمانة.
ولم يكن التقدير مقتصرًا على المرضى أو الإعلام، حيث وجد صدى رسميًا أيضًا؛ فقد كرّمته السفارة السعودية في كوريا الجنوبية أثناء دراسته، اعترافًا بإنجازه العلمي ورفعة لوطنه. وهو تكريم لا يخص فردًا بقدر ما يعكس صورة وطن كامل، يُراهن على أبنائه ويقطف ثمار ثقتِه بهم.
وحين ننظر إلى مسيرة الشميمي، ندرك أن عظمته ما كانت فقط في العمليات النادرة أو الأوراق العلمية الفائزة، تراها في الدرس الذي يتركه للأجيال: أن الطبيب الحقيقي لا يتوقف عند التشخيص والعلاج، إذ يمتد أثره إلى المجتمع، يُعيد صياغة الثقة في النظام الطبي، ويثبت أن الإبداع ما كان حكرًا على الخارج.
هكذا، يصبح اسم الدكتور سعيد الشميمي أكثر من جراح بارع؛ إنه قصيدة فخر تُتلى في مجالس المجتمع والقلوب، ومرآة وطن ينعكس فيها العزم والريادة، ودليل على أن الإنسان السعودي قادر أن يُبدع ويبتكر ويُخلّد أثره في سفر الإنسانية. ومن مشرط ينقذ حياة، تنبعث رمزية كاملة: أن الحياة رسالة تبدأ بالعلم، وتكتمل بالإخلاص، وتظل شاهدة على أن فخر الوطن يُكتب بأيدٍ صادقة لا فقط بعملية جراحية.













