آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:20 ص

أنا وبس

رائدة السبع * صحيفة اليوم

الأنانية في مفهومها الذي يرتبط بالأذهان هي أن يقدم الإنسان نفسه ومصلحته الخاصة لتكون قبل أي شيء وفوق كل اعتبار، وهي تعرف عبر التاريخ وفي كل ثقافات البشر بأنها من الأخلاق أو الصفات السلبية في الإنسان إذا زادت عن المعدل الطبيعي الذي يحفز الإنسان على التميز، وتتفاوت درجاتها بتفاوت طبيعة البشر، ويقابل هذه الصفة أن يكون الإنسان كريما ويرى أن مصلحة الآخرين لا تقل أهمية عن مصلحته ويكون لديه حب تقديم الغير أو بمعنى آخر الإيثار وهو ما يأتي كأحد الصفات والطباع الحميدة لدى الإنسان.

هل يولد البشر أنانيين؟

هذا السؤال يجيب عنه الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز في «اللفياثان»، حيث يصف طبيعة البشر في غياب الرقابة: «البشر بطبيعتهم أنانيون، مدمرون، مجردون من الأخلاق». وبغياب القوة التي تضبطنا، ستظهر حرب الكل على الكل، فالجميع يسعى للبقاء، كما في لعبة «فورتنايت». ومن هنا جاء «العقد الاجتماعي» الذي يحفظنا من حب الذات ويضمن استمرارنا.

حتى الدول والدساتير ليست إلا عقودًا اجتماعية، وكذلك الأديان التي تشجع على الخير والإيثار لترتقي بأخلاقنا. فالإيثار نفسه، رغم مظهره النبيل، يحمل بعدًا أنانيًا؛ إذ هو في جوهره محاولة لحماية الذات، وما نسميه «الأنانية النفسية».

في تجربة علمية عام 2006، أُعطي المشاركون 128 دولارا مع حرية التبرع أو الاحتفاظ بها. وأثناء الاختيار صُوّرت أدمغتهم بجهاز «FMRI». النتيجة: المنطقة المرتبطة باللذة البدائية كالأكل والجنس والمال نشطت عند التبرع، كما تحفزت القشرة الجبهية المسؤولة عن السعادة الاجتماعية. بدا أن أدمغتنا تكافئنا أكثر عندما نفعل الخير، وكأننا نطلب السعادة من خلاله.

وهنا يظهر أن الدافع الأخلاقي كثيرًا ما يرتبط بمصلحتنا. نحن نفعل الخير لنشعر بالرضا، فالسعادة مكافأة خفية.

الفيلسوفة الروسية الأمريكية آين راند في كتابها «فضيلة الأنانية» تقول: «من لا يقدر نفسه، لن يستطيع تقدير أي شيء أو أي شخص آخر». أوافقها كثيرًا، إذ من يهمل ذاته يعيش بتأنيب داخلي ولو خفي. صحيح أن أفكارها مثيرة للجدل، لكنها تضع الإنسان في صورة كائن بطولي، يرى سعادته الشخصية سببًا أخلاقيًا لوجوده، وإنجازاته أرقى ما يقوم به، وعقله الثابت الأوحد في مسيرته.

خلاصة القول: إذا كان الاهتمام بمصلحتنا أنانية، فمرحبًا بتلك الأنانية.