آخر تحديث: 5 / 12 / 2025م - 11:57 ص

إصلاح ذات البين … الضوابط والنواهي

محمد يوسف آل مال الله *

قال تعالى: ﴿لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114].

وروي عن النبي محمد ﷺ أنّه قال: ”ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إصلاح ذات البين؛ فإنّ فساد ذات البين هي الحالقة“.

يعتري مجتمعنا العديد من الخلافات والخصومات وبأشكال متنوعة، بين الزوج والزوجة، بين الأبناء والوالدين، بين الجار وجاره، بين الأخوة والأخوات، بين موظف وزميله، بين طالب وطالب آخر والعديد العديد منها. فالحياة مليئة بهكذا دواليك ومشاحنات مما يفقد المجتمع روح الألفة والمحبة والتعاضد والتآخي.

لذا نجد الشارع المقدّس قد أولى هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا ونظّم الآلية التي نستطيع من خلالها وأد هذه الخلافات وتعبيد الطرق للوصول إلى تفاهمات تعيد للحياة رونقها وجمالها وذلك من خلال برنامج إصلاح ذات البين.

إصلاح ذات البين من أعظم أبواب الخير، وقد جعله الإسلام من أفضل القربات، بل قُدّم في بعض النصوص على نوافل الصلاة والصيام والصدقة، لأنّه يحفظ وحدة المجتمع ويطفئ نار العداوات، غير أنً الإصلاح ليس عملاً مطلقًا بلا ضوابط، بل تحكمه قواعد شرعية وأخلاقية تضمن أن يكون الإصلاح حقًا لا ظلمًا.

الضوابط الشرعية والأخلاقية لإصلاح ذات البين:

• النية الخالصة: بأن يكون الهدف مرضاة الله وجمع القلوب، لا مصلحة شخصية أو رياء.

• العدل والإنصاف: فالإصلاح لا يعني الظلم أو الانحياز لطرف، بل إعطاء كل ذي حق حقه.

• المصداقية: حيث لا يجوز الكذب إلّا فيما ورد فيه الترخيص «كالكلام الطيب الذي يلين القلوب» دون الإضرار بالآخرين.

• الستر وعدم التشهير: يجب أن يتم الإصلاح بسرية بعيدًا عن إشعال الفتنة أو كشف العورات.

• الاستعانة بالحكماء: قد يحتاج المصلح أحيانًا إلى إشراك من لهم مكانة وقبول لدى الطرفين.

• تقديم العفو والتسامح: وذلك من خلال غرس مبدأ التنازل عن بعض الحقوق لدوام الألفة.

• التدرّج في الخطوات: بحيث يبدأ المصلح بالهدوء واللين، فإن تعقدت الأمور يستخدم الشدة بالحجة، دون قسوة أو تجريح.

• مراعاة المآلات: يجب أن يحقق الإصلاح مصلحة أكبر من المفسدة، فلا يُراد به هدوء مؤقت ينقلب لاحقًا إلى فتنة أعظم.

النواهي والمحاذير في إصلاح ذات البين:

• الظلم والمحاباة: عدم الميل إلى طرف على حساب الآخر كي لا يفسد الإصلاح ويعمّق الجرح.

• نشر الأسرار أو الفضيحة: فهذا مما يزيد الشحناء بدلاً من حلها.

• الإصلاح بالباطل: مثل إقناع المظلوم بالتنازل عن حقه دون رضا حقيقي أو إلزامه بالقهر، فالمأخوذ حياءً كالمأخوذ غصبًا.

• الرياء وطلب السمعة: كأن يسعى المصلح ليُقال عنه ”فلان أصلح“ لا ابتغاء وجه الله.

• إحياء الفتن القديمة: الإصلاح لا يعني تذكير الأطراف بما نسوا من أخطاء سابقة.

• إطالة النزاع بالمبالغة: كالدخول في تفاصيل صغيرة لا جدوى منها.

• التدخل في غير موضعه: يكون الإصلاح عند وجود خصومة مؤثرة، أمّا التدخّل في شؤون شخصية لا ضرر فيها فيزيدها تعقيدًا.

فالعمل باتباع الضوابط والنواهي يكون إصلاح ذات البين عملاً متوازنًا: رحمة، وعدل، وحكمة، بعيدًا عن الظلم أو الرياء أو إثارة الفتن.