كل إناء بالذي فيه ينضح
هل هذه المقولة الشائعة لها واقعٌ في حياتنا وبين مجتمعنا، وخاصةً في تعاملنا وسلوكياتنا الأخلاقية وتعاملاتنا البنيوية فكريةً كانت أو اجتماعية؟ وهل هناك ما يدلّ على صحة هذا المثل الشائع من خلال تجارب إنسانية تكون مصداقًا لهذا القول وما ينتج عنها من أحداث وتداعيات وتصدعاتٍ مريرة؟
فعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما تكتشف فجأةً خفايا في وجدان البعض كانت مكبوتةً، ويتصنع الصدق والأمانة وعفة النفس وطهارة الضمير، وإذا به يكشف نواياه السلبية ليدمر كلَّ ذلك البناء الشامخ والعهد المعهود عندما ينقلب على عقبيه في أفكاره ومعتقداته، لتسمع نهجًا مغايرًا وآراءً مخالفةً لما كان تحت طيات لسانه، ليقلب الحقَّ باطلًا والباطل حقًّا، لأن معدنه لا أصالة له، وتنضح ما كان يعتقده ويتبناه في الحقيقة من مكرٍ وخداع، ليضطرب الواقع الاجتماعي ويشكّل نقطةً سوداء لا يمحيها الزمن ولا تطمسها الأحداث، ليتشقق النسيج الاجتماعي والأدبي والأخلاقي، فينفلت عقال المحبة والتوادد والألفة.
من هنا، ولمعالجة هذه الظاهرة، يجب أن نكون حذرين في التعامل مع هذه النوعية من البشر، وأن نترك مسافةً بما تكفي حتى نتفادى كلَّ السلبيات وما ينضح عنها، ولا نؤخذ على حين غرةٍ، ونقع في مكامن مليئةٍ بالخداع والتدليس والتضليل، فلا تغرنا تلك المظاهر من أولئك الذين كشفتهم عوراتهم مع أيِّ حدثٍ من خلال ما يضمرون، فتفوح أوانيهم وتعجُّ بالمغالطات، وكما فضحهم كتاب الله في قرآنه الكريم عندما قال جلَّ جلاله:
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [الأنفال: آية 30].