آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 4:00 م

كيف أكون متألقا؟

ورد عن الإمام الحسين : سمعت النبي ﷺ يقول: «إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفاسفها» «تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 219».

يضع الإمام الحسين مائزا وتفريقا بين نمطين من أنماط الشخصية الإنسانية، حيث يكون التركيز في الفاصل بينهما يعتمد على الاهتمامات وطريقة التفكير والتعاطي مع الأمور والمواقف والأحداث، فهناك من يملك تصورا لدوره الوظيفي في الحياة بما يتناسب وخلقة التكريم والرقي التي يحظى بها الإنسان على بقية المخلوقات، فعقله المفكر والمنير له دربه والمعين له على المضي بأخذ الخيارات والاحتمالات المناسبة في ميادين الحياة وخوض صعوباتها واتخاذ القرارات الممكنة، لا يمكن التخلي عنه بتسليم زمام أموره إلى الأهواء الفارغة والمزاجيات المتحكمة والغرائز المتفلتة، وأما صغار النفوس فسيكون الواحد منهم كائنا تائها يلاصق الأخطاء والتفاهات وضياع الأوقات والسطحية في التعامل مع الأمور دون مبالاة بساعة الزمن التي تتقدّم به.

كما أن التخطيط الحياتي هو من ثمار الرقي الفكري حيث يمتلك الفرد تصورا واضحا لإمكانياته وقدراته والفرص المتاحة له والظروف المحيطة به، بما يستطيع تحقيقه من خلال بذل المجهودات لصنع مستقبل يرى أمام ناظريه تلك الطموحات التي داعبت كثيرا عقله ومشاعره، بينما أصحاب النفوس الصغيرة حركته تكون وليدة اللحظة حيث لا يهتم لعامل الوقت ويرسم أهدافا يتحرك من خلالها في يومياته ومراحل عمره.

فليس من المعقول أن لا نرى فارقا بين من يتجنب في كل خطواته إهدار وقته - ولو كان جزءا بسيطا - بالانشغال بما لا فائدة حقيقية تعود عليه، عمن يتعاطى مع الأحداث وتفاصيلها والبحث عنها في وسائل التواصل الاجتماعي دون ملاحظة عدم أهميتها وتأثيرها على مجمل حياته.

وانظر إلى التعامل مع المشاكل والأزمات التي لا تخلو منها حياة أحد منا، فهناك من يتعاطى معها بقرار الهروب أو الانسحاب أو التهميش وكأنها حدث لا يستحق المبالاة، وآخر يتعاطى معها بالتضخيم وكأنها جبل يسدّ طريقه ولا يمكنه تجاوزه، فيلوّن حياته بالسوداوية والتشاؤم والتخلي عن المسئوليات وخلق الأعذار الوهمية وإلقاء اللوم على الزمن، بينما أصحاب النفوس الكبيرة يمتلكون عقلية وازنة وروحية هادئة تتعاطى مع الأحداث المعقدة والعثرات بانفتاح على عواملها والبحث عن الطرق والحلول الممكنة لتجاوزها، ففي النهاية ليس هناك من طريق مسدود وإنما تدار الأمور بالحكمة والصبر حتى يخرج من عنق الزجاجة.

ولنسلّط الضوء على الواقع الاجتماعي والعلاقات مع الآخرين ليمتاز فيها المتألقون عن غيرهم، ألا وهي الترفع عن صغائر الأمور والتغافل عن الإساءة وتجنب الخصومات والقطيعة، فلا يفكّر في الدخول في المشاحنات بسبب وبلا سبب إلا من صغرت نفسه وترك زمام أمورها للأهواء والشهوات المتفلتة، فالتفكير الإيجابي يقود نحو الأخذ بالحسبان المساحة والنقاط المشتركة مع الآخرين، وأما الخلافات فيمكن توقيف مفاعيلها وتأثيرها عندما نتجاوزها بالحكمة والهدوء.