ما بعد الانفصال
ما يحدث بعد الزوجين من طبيعة علاقة متوترة وتصاعد دخان الكراهية ليس قدرا محتوما ولا مسيرا إجباريا للزوجين المنفصلين، فهناك قيمة أخلاقية واجتماعية ترسو على ضفافها العلاقات السوية وهي الاحترام والتقدير، والرقي والترفّع عن أساليب المناكفات والخصومة والمقاطعة باستجرار الآلام واستحضار مواقف الخلافات والتقوقع حول التفكير السلبي تجاه ما مرّا به من مشاكل، فهذه الطريقة فيها من الخطر الكبير على نفسيتهما قبل أن يطال شررها الطرف الآخر، فليست هناك من خسارة أعظم من أن يخسر نفسه بضياعها عن بوصلة الفطرة السليمة، وذلك باللعب بنار الخلافات المستحكمة والسير في فلك إشعالها وإن انفصمت العلاقة الزوجية، فالهدوء النفسي والاتزان النفسي أكبر مغنم للفرد لا ينبغي التفريط به لأي سبب كان.
والطلاق لا يساوق في معناه الفشل حتى يستدعي كل طرف قواه وجهوده لرمي ثقل العامل الهدام على الطرف الآخر، فهو ليس نهاية العالم وإنما يشير إلى صعوبة الاستمرار في علاقة متوترة وعدم القدرة على تحمل العيش المشترك بالمعروف والحسنى، فكان قرار الانفصال حفاظا على ما تبقى من علاقتهما بعد انحسار الجانب العاطفي والتوائم والانسجام، فتبقّى لهما أرضية احترام الطرف الآخر وخصوصياته وأسراره وتقدير العشرة والأيام التي استظلّا فيها تحت سقف واحد، وخوض حرب شرسة وشاملة من أجل تبرير إنهاء علاقتهما أو تشويه صورة الآخر لن تأتي على الطرفين إلا بالخراب والخسران، فاستنزاف الطاقة النفسية من خلال التراشق الكلامي وتبادل الاتهامات يسقط آخر قشة تحفظ كرامتهما ومكانتهما.
بعض الأزواج يتصف بالعناد والعمل حتى الرمق الأخير حتى إسقاط آخر ورقة من شجرة الطرف الآخر، وتتحول بذرة العناد والكيدية إلى نزعة حب الانتقام وحركة تسقيط الطرف الآخر، مما يدخلهما في دوامة من النزاعات بعد انفصالهما بما يشير إلى بؤرة توتر متجددة ومستمرة.
تجنب إهانة شرك الحياة السابق لا تعني عودة المياه إلى مجاريها بالضرورة، وإنما تعني احترام الشخص لنفسه أولا وقبل كل شيء فيربأ بنفسه عن أتون الخصومات ويتجنبها، كما أن الهدوء النفسي وضبط الانفعالات يؤدي إلى علاقة جديدة عنوانها التفاهم والحوار حول نقاط الخلاف - وخصوصا إذا كان عندهما أولاد -، حيث سينعم الأبناء بحالة الاستقرار النفسي والإغداق العاطفي وتجنّب التشتت والانفصام، فإغلاق ملفات الخلافات السابقة وما احتوته من آلام وتجاوزات يكسبنا التوازن النفسي والعاطفي والفكري، فمبدأ الحوار الهادئ الذي سيتعاملان به سيغلق ملفات الخلاف السابقة تماما دون محاولة فتحها أو استحضارها، وهذا الحوار سيكون محدودا بنطاق التعامل مع الأبناء بعد الانفصال والبحث المشترك عن كيفية حل مشاكلهم وتوجيههم.