آخر تحديث: 4 / 5 / 2024م - 5:28 م

لا يخرج من فمك إلا الكلام الطيب

مصطفى صالح الزير

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: آية 63].

في نهج البلاغة «صفة المؤمن»: ورد عن أمير المؤمنين علي أنه قال: الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ [1]  فِي وَجْهِهِ، َحُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً، وَأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ، وَيَشْنَأُ السُّمْعَةَ، طَوِيلٌ غَمُّهُ، بَعِيدٌ هَمُّهُ، كَثِيرٌ صَمْتُهُ، مشْغولٌ وَقْتُهُ، شَكُورٌ صَبُورٌ، مغْمُورٌ [2]  بِفِكْرَتِهِ، ضَنِينٌ [3]  بِخَلَّتِهِ [4]  سَهْلُ الْخَلِيقَةِ [5]  لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ [6]  نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ [7] ، وَهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ.

يقول سماحة الشيخ محمد كاظم الجشي حفظه الله ورعاه لأحد المؤمنين: «ترك المزاح بينكم أهل العوائل، أدخل بيوت الناس بالخير، ولا يخرج من فمك إلا الكلام الطيب».

عندما «نستمع» لهذا الكلام جيداً نجد بأن عباد الرحمن أصحاب حلم ووقار وهدوء وسكينة، ولا يُعِيرون بالاً لأصوات النشاز من هنا وهناك، بل ديدنهم «السلم» وخطابهم «السلام» وبأن المؤمن صاحب خُلق عال ولطيف في قوله وفعله ويدخل البهجة والفرح والسرور على قلوب الجميع أينما حل وارتحل....».

كانت تلك الآية الكريمة والحديث الشريف مع هذه المقدمة البسيطة عنواناً على جمال روح المؤمن والمؤمنة كي نتحدث عن موضوع «ترك المزاح».

يحثّ الإسلام على ترك المزاح والروايات كثيرة جداً في هذا المجال أذكر بعضها إن شاء الله في نهاية هذا المقال.

ترك المزاح حتى لو كنت صادقًا، لِما له من آثار سلبية على الفرد والمجتمع.

وهنا لا أعني أن يكون الإنسان عبوساً والعياذ بالله، بل مقصدي قبل أنت تمزح راعي الضوابط الشرعية «لا تكذب، لا تَقُل غيبة، بهتان، نميمة...» ودقق في مفرداتك؛ لأنك محاسب على الحرف الواحد وانتبه جيداً لمشاعر الآخرين كي لا تكسر قلوبهم، أو تدخل الحزن عليهم بدافع المزاح، وإن تنازل صاحب الشأن فذلك حقه الخاص، ويبقى الحق العام «الإلهي» لأن المؤمن عزيزٌ عند الله تبارك وتعالى، ألفت نظرك أيها القارئ العزيز هل تتذكر تلك الناقة التي عقروها ﴿فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا [الشمس: آية 14].

تلك الناقة ارتبطت بالله وقلب الله عز وجل الدنيا لأجلها، فما بالك بالمؤمن الذي هو أعظم حرمة من الكعبة المشرفة زادها الله تشريفاً وتعظيماً وتقديساً وإجلالاً،

روي أن رسول الله ﷺ نظر إلى الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله؟! والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لأن الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء. [8] 

وورد عن أبي عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: قال الله تبارك وتعالى: «ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن...» [9] 

من أهمّ فضائل ترك المزاح:

نيل رضا الله تعالى: فالمزاح قد يؤدي إلى الكذب والغيبة والنميمة وكسر القلوب، وهي من الأمور التي نهى عنها الله عز وجل.

حفظ اللسان من الزّلة: فالمزاح قد يُخرج صاحبه من دائرة الْحِلْم والْوَقَار، ممّا قد يُعرّضه للزّلة في الكلام.

صيانة الكرامة: فالمزاح المفرط قد يُقلّل من قيمة صاحبه في أعين الناس.

حفظ العلاقات الاجتماعية: فالمزاح قد يجرح مشاعر الآخرين، ويُفسد العلاقات بينهم ويزرع الضغائن.

التركيز على الأمور الجادّة: فالمزاح المفرط قد يُضيّع الوقت، ويُشتّت الذهن عن الأمور الجادّة في الحياة.

ولترك المزاح آثار إيجابية على الفرد والمجتمع، منها:

انتشار السّلام والأمان: فالمزاح قد يُؤدّي إلى الشجار والنزاعات والعداوة، بينما يُساعد تركه على انتشار السّلام والأمان بين الناس.

تقوية العلاقات الاجتماعية: فالمزاح المفرط قد يُفسد العلاقات بين الناس، بينما يُساعد تركه على تقويتها.

الارتقاء بالأخلاق: فالمزاح قد يُؤدّي إلى الرّذائل، بينما يُساعد تركه على الارتقاء بالأخلاق.

نشر العلم والمعرفة: فالمزاح المفرط قد يُضيّع الوقت ويُشتّت الذهن، بينما يُساعد تركه على نشر العلم والمعرفة.

وهذا الكلام لا يعني ترك المزاح التّعبير عن الحزن والكآبة، بل ينبغي أن يكون المسلم حَليمًا وَوقورًا، وأن يُدخل السّرور على قلوب الناس بأسلوبٍ مُباحٍ لا يُخالف الشّريعة الإسلاميّة، وترك المزاح فضيلةٌ عظيمةٌ تُحَقّقُ السّلام والأمان، وتُقوّي العلاقات العائلية والاجتماعية وتُساعد على الارتقاء بالأخلاق ونشر العلم والمعرفة.

أختم لكم بهذه الروايات الشريفة لأهل البيت في ”ذم المزاح“ «الخالي من الضوابط الشرعية والذي لا يُراعى فيه حقوق الآخرين ومشاعرهم أو كسر قلوبهم وإدخال الحزن عليهم بقصد أو بدون قصد»:

عن رسول الله ﷺ: يا علي! لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك.

- الإمام علي : ما مزح امرؤ [رجل] مزحة إلا مج من عقله مجة.

- وعنه : المزاح يورث الضغائن.

- وعنه : دع المزاح، فإنه لقاح الضغينة.

- وعنه : من مزح استخف به.

- وعنه : لكل شيء بذر، وبذر العداوة المزاح.

- وعنه : آفة الهيبة المزاح.

- وعن الإمام الصادق : المزاح السباب الأصغر.

- وعن الإمام علي : إياكم والمزاح، فإنه يجر السخيمة ويورث الضغينة، وهو السب الأصغر.

- وعنه : لا تمزح فيذهب نورك.

- وعن الإمام الكاظم : إياك والمزاح، فإنه يذهب بنور إيمانك، ويستخف بمروءتك.

- وعن الإمام الصادق : إياكم والمزاح، فإنه يذهب بماء الوجه ومهابة الرجال.

- وعن رسول الله ﷺ: لا يبلغ العبد صريح الإيمان حتى يدع المزاح والكذب، ويدع المراء [10]  وإن كان محقا.

- وعن الإمام الصادق : إذا أحببت رجلا فلا تمازحه ولا تماره.

- وعنه : لا تمازح فيجترئ عليك.

ختاماً: إمزح في حدود الشرع ودقق في كلماتك وأفعالك وراعي مشاعر الآخرين، ولا تكسر قلوبهم، ولا تجلب لهم الحزن والهم حتى تكون شخصاً محبوباً ومرحاً يحبه الجميع، ويستأنسون بحديثه ويتمنون لقاءه والجلوس معه.


[1]  البِشْر بالكسر: البَشاشة والطلاقة.

[2]  مَغْمُور: أي غريق في فكرته لأداء الواجب عليه لنفسه وملّته.

[3]  ضَنِين: بخيل.

[4]  الخلّة بالفتح: الحاجة.

[5]  الخَلِيقة: الطبيعة.

[6]  العَرِيكَة: النفس.

[7]  الصَلْد: الحجر الصُلْب.

[8]  [9] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 64 - الصفحة 71

[10]  المراء: هو الطعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير غرض سوى تحقيره وإهانته، وإظهار تفوقه وكياسته، والمراء لا يكون إلاّ اعتراضاً على كلام سبق، فالمراء داخل تحت الإيذاء، ويكون ناشئاً من العداوة أو الحسد.

*راجع الصفحة الإلكترونية تجد فيها كامل الروايات: «ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 4 - الصفحة 2897»