آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 12:25 ص

إثراء العقل

المدركات العقلية تتضمن القدرة على إنارة الطريق أمام صاحبها في وسط ضجيج وصخب المشكلات والأزمات التي يصادفها على مستوى الجوانب المختلفة في حياته، والبذرة الفكرية تحتاج في إثرائها وازدهارها إلى ما ينمي تلك الملكة، وذلك من خلال الحقول والوسائل التي تكسبه قدرة على التفكير بنحو منطقي، وقد يعد البعض فكرة تنمية المدركات العقلية بأنها ترف فكري لا يعنيه من قريب ولا بعيد ممارستها، فقراءة الكتب والجلسات المعرفية - بنظره - ما هي إلا حقل مختص بالمهتمين بالجانب الثقافي، والحقيقة أنه اشتباه في تحديد مفهوم ومصداق الترف في الجانب المعرفي، فالترف الفكري يتعلق بمطالعة الجوانب التي لا تقع في صلب احتياجاته والآليات التي تخدمه وتعينه في فهم واقعه ودوره الوظيفي وتخطيط خطواته المستقبلية وكيفية معالج ما يواجهه من عراقيل، فعندما يتحدث أو يطالع المرء قضايا الأبراج - مثلا - فإنه مضيعة للوقت حقا وليس هناك من فائدة ترجى منه، فالوقت أغلى ما يملكه الإنسان وعليه تجنب هدره وتضييعه حيث أنه مسئول عنه، وأما تنمية ملكة التفكير والتدريب على اتخاذ وجهة النظر والرأي السديد والخطوة المناسبة فهو في صلب احتياجات الإنسان، ولمعرفة أهمية التألق والرقي في الفكر تتضح من خلال إعجابنا بتلك الشخصيات المتميزة بانتقائه لكلماته وانطلاقته في الحديث والانخراط في النقاشات بهدوء وضبط للنفس، كما أنه يجذبك بما يحمله من تصورات للمواضيع والقضايا ويدلي بتصوراته ورؤاه في وضع الاتجاهات والمآلات المستقبلية لمشكلة معينة، من خلال استشرافه لما ستكون عليه من خلال دمج العوامل والمعطيات ووضع الاحتمالات للنتائج، فهل يرغب أحدنا أن يكون من تلك الشخصيات الناجحة والمتميزة في طريقة تعاملها مع المشاكل والظواهر؟

بالتأكيد فإن الإجابة هي وجود الرغبة باعتلاء منصة الإعجاب والجاذبية في أعين من حولنا بما نمتلكه من فكر وقاد وقدرة عالية على المشاركة في الأحاديث المفيدة، والمهم هو الوسائل والطرق التي تغذي العقل وتثري معلوماته ومن ثم يمكن تطبيقها في حواراتنا.

والفرق بين التفوق الدراسي والذكاء الاجتماعي لعل بعض الآباء والأمهات يغفلون عنه ولا يديرون بالا واهتماما بالأخير، فيبذلان الجهد في مساندة أبنائهم في مذاكرتهم وتوفير البيئة المنزلية المناسبة والمتصفة بالهدوء والأمان العاطفي، ولكنهما قد يغفلان عن الاهتمام بالجانب الاجتماعي وقدرة الأبناء على تنمية هذا الجانب، مما يسهم في قدرتهم على تكوين علاقات على المستوى الأسري والاجتماعي مستقرة وفاعلة، فالذكاء الاجتماعي والعاطفي يعني قدرة الفرد على التفاعل مع محيطه وإقامة علاقات تعتمد على مبدأ الاحترام والثقة والانسجام وتبادل العطاء، وهذا الدور التربوي يقوم به الوالدان فيساعدان الأبناء على الاختيار المناسب للأصدقاء، كما يتابعون معهم تلك العلاقات وما يواجهونه من مشاكل أو عراقيل وتقديم أفضل السبل لتجاوزها.

المكتبة المنزلية لها دور مهم في تنشئة الأبناء على حب المعرفة والمطالعة بما يتناسب مع مستواهم العقل وميولهم، وخصوصا جانب القصص الممتعة والمفيدة ومن ثم مشاركة الوالدين معهم في إجراء المناقشات والأسئلة المتعلقة بها، فهذا يتيح لهم ممارسة مهارة التحدث بطلاقة عما يجول في خاطرهم من أفكار وتصورات ومشاعر، وكذلك ممارسة مهارة الاستماع والإنصات للمتحدث بانتباه وفهم لما يطرحه، فهذا يعدهم ويدربهم على مهارات متعددة تؤهلهم لامتلاك ملكة الذكاء الاجتماعي وكيفية إدارة حديثه وحواره بما يعود عليه بالمنفعة والنتائج الجيدة، كما أنه يتدرب على ضبط مشاعره من الاستفزاز لئلا يتخذ الخطوات المتهورة وغير محسوبة العواقب.

ومما ينمي العقل ويثري معارفه هو مشاهدة المقاطع المرئية والأفلام الوثائقية في مختلف العلوم، ومن ثم يتم تناول ما تمت مشاهدته في البيت مع الوالدين وفي المدرسة مع المعلم لمناقشته وطرح الأفكار المتعلقة به، كما أن التمرين على الكتابة ينمي تلك الموهبة ويصقلها، من خلال تطبيق تلك التصورات والرؤى وصبها في قالب كتابي يعبر فيه عن فكره ومشاعره بحسب مستواه.