آخر تحديث: 28 / 4 / 2024م - 10:41 م

أربعينية الإمام الحسين (ع) ودرب العاشقين

عبد الرزاق الكوي

يعيش العشاق والمحبون بقلوب يملأها الحزن والأسى المصاب الجلل لسبايا الإمام الحسين بنات رسول الله ﷺ، ملايين من العاشقين يتهافتون من بقاع العالم بمختلف الجنسيات واللغات والألوان والأعراق والقوميات ليتوحدوا في يوم عظيم تتحلى فيه المحبة والولاء، يومًا من أيام الله سبحانه وتعالى، يومًا مهيبًا ليتشرفوا على أرض كربلاء المقدسة أرض العزة والكرامة بمواساة الرسول ﷺ، في الجريمة التي ارتكبت يوم عاشوراء وامتداداتها، وهذا أقل واجب وما تحمله القلوب من ارتباط لا يمكن وصفه، إنه سر من الأسرار لا يعرف له حدود ولا تحدها زمان ولا مكان، رغم القرون التي مرت على هذه الفاجعة لم يمحى أو يتغير ذلك الارتباط مع جميع المحاولات، يتزايد العشاق ليتعدى الأتباع والموالين إلى كل من سمع بمصاب سيد شباب أهل الجنة ، هذا ما فعله في قلوب البشرية اليوم وكل يوم يشاهد نتائجه.

اكتسب مسمى الأربعين بعدًا عالميًا وارتباطًا وثيقًا بالحسين ، فقد كان مألوفًا وعادة متوارثة بين الناس من قديم الزمان، حيث يقيم فيه أهل الفقيد مجلسًا تأبينيا يحضره أقارب الفقيد وأصدقاؤه ومعارفه، وإظهار الحزن وألم الفراق، خصوصًا إذا كان الفقيد صاحب مكانة اجتماعية أو دينية، وخدمة مجتمعه، وله أيادي بيضاء أثناء مسيرة حياته.

فالكتابة عن أربعينية الإمام الحسين وإحياء شعائره وما له من مكانة عند الله سبحانه وتعالى وما قدمه للإنسانية، لها روحانية خاصة وعلاقة من القرب تختلف عن أي كتابة وعن إحياء أي مناسبة، فكل كتابة عن مصائب أهل البيت بشكل عام ومصيبة الإمام الحسين بشكل خاص، لها وقع خاص على القلب بهول المصيبة في لحظاتها وساعاتها في يوم عاشوراء وما حدث بعدها من أحداث بكت لها السماء، وغضب بسببها رب العالمين، أبناء وبنات الرسالة في أصعب حال وأقسى موقف.

كل ذلك من أجل هدف كان معسكر القتلة يسعى له بقتل الإمام الحسين ، أن يمحو الدين ويزور التاريخ وتعود الجاهلية، نسى الأعداء أن صوت العقيلة زينب بطلة المسيرة الحسينية تقول: «فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحيننا»، أقسمت فصدقت وانتصرت، فبقى ذكراهم ساطعًا يعانق عنان السماء، وبقت رسالة جدها بفضلها وفضل جميع أهل البيت ، بقيت ذكرى الإمام الحسين تحيا على مدار الساعة، وفي جميع أرجاء العالم، كلا ينادي: «يا حسين»، يعيش في ضمائرهم، هذا ما فعله في تغيير بوصلة الأحداث بإرادة مستمدة من مسيرة جده المصطفى وأبيه المرتضى وأمه سيدة نساء أهل الجنة عليهم جميعا أزكى السلام، مسيرتهم إرادة إِلهية، وفي سبيل الله كانت مسيرتهم الخالدة.

الأربعين الخالدة يتذكر فيها العشاق كل الأحداث، العطش والقتل وتمزيق الأجساد، قطع الرؤوس وتعليقها على الرماح، حرق الخيام، فرار النساء والأطفال في صحراء كربلاء، أخذهم سبايا بعد سلبهم من بلد إلى بلد في حالة لا إنسانية يرثى لها، تنكيل وإهانة ومظلومية، كل ذلك يعطي مسيرة الأربعين أبعادًا من الحزن والألم، لتكون غير كل أربعينية عبر التاريخ الإنساني، والعالم يشاهد المشاة يتقاطرون إلى كربلاء باختلاف مكوناتهم وأعمارهم، حتى المرضى والمعاقين وكبار السن، ليسجلوا أسمائهم عند فاطمة الزهراء ، وكذلك مستقبليهم من أهل العراق الكرماء أصحاب الشيم والقيم المستمدة من اتباعهم بأهل البيت ، تشاهد الطفل والشاب والشيخ العجوز، رجال ونساء، تركوا راحتهم وتفرغوا يتسابقون في خدمة زوار الإمام الحسين ، فعل لا يتصوره عقل أن يكون شعبًا بهذا العطاء والترحيب بقلوب صادقة وباقية أن يقبل منهم خدمة الزوار.

أثبتت أربعينية الإمام الحسين مهوى القلوب، والمحبين يعبرون بولاء يتخطى الحدود والجغرافية ليكتب تاريخاً حافلاً، يتمثل فيه معاني مكارم الأخلاق ومفردات الخير والصلاح، هذه العظمة لم تأتي من فراغ، بل من دماء زكية عظيمة الشأن عند خالقها تزال جميع الحواجز الاجتماعية لتتحد في كلمة واحدة «الحسين»، في صورة من صور الرقي الإيماني في تعظيم شعائر الإمام الحسين ، في تجمع سلمي عفوي روحاني لا ينطفي شوقها وحنينها حتى تقوم الساعة مهما تكالبت الظروف، واشتد فعل الإرهاب بشتى أنواعه ووسائله يزداد عدد العاشقين، يأخذهم شوقهم نحو الحسين . يبقى الأربعين امتداداً صادقاً لنهضة الإمام الحسين وتخليد لواقعة لا مثيل لها إعلان أن الحسين باق وفكره ينير طريق العالم.