تصدر كتابه ”لياقة القراءة“ للكاتب يوسف أحمد الحسن قائمة الأكثر قراءة، وحصل على المركز الثامن على موقع أمازون للكتب الأكثر مبيعا بقسم مقالات، المكون من مئة مقال.
الكتاب الذي صدر مؤخرا عن دار ريادة في 388 صفحة من القطع الكبير، يتحدث عن أهمية القراءة، وتحريض المصابين بعدوى الفتور القرائي للعودة للقراءة. وحظي الكتاب بإقبال كبير لكثافة أفكاره وتميز أسلوبه.
وللكاتب السعودي يوسف أحمد الحسن مشروع قرائي للتشجيع على القراءة وجعلها منهاج حياة، وأصدر من أجل استكمال مشروعه عدة إصدارات، منها لياقة القراءة. وهو من مواليد مدينة الهفوف عام 1379 هـ -1959م، حاصل على البكالوريوس في علوم وهندسة الحاسب الآلي من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن منذ عام 1403 هـ ، وحاصل على دبلوم عال في تخصص إدارة أعمال من الجامعة الأمريكية بلندن عام 1417 هـ .
وهو أيضا من كتاب الرأي، وصحافي ومعلم متقاعد. كتب الكثير من العناوين المهمة: «القراءة والصدمات علاقة تفاعل، كم كتابا نقرأ، حين تكون القراءة عقابا، متى يبكي القارئ، ماذا يحصل عندما لا تقرأ... الخ».
إصداره الأول بعنوان ”على ضفاف الورق“، وإصداره ما قبل الأخير بعنوان ”لياقة القراءة“، وإصداره الأخير ”نحو لياقة قرائية“، وكلها زاخرة بمقالات قيّمة عن القراءة التي يستقي منها القارئ كل مفيد، ولذلك قرأته النخبة والمثقفين.
التقته مجلة ”عالم الكتاب“، وكانت معه سطور الحوار التالي..
هل لك أن تشرح لنا تجربتك في كتابة ألف مقال في موضوع واحد؟
بدأت التجربة بشعور عميق لدي بابتعاد النشء عن القراءة والكتب والمكتبات، والتوجه نحو أمور أخرى بدأت بالتلفاز ووصلت إلى الإنترنت ووسائل التواصل المتعددة، التي تتوالد باستمرار وتكاد تسيطر على أوقات الناس حتى في أثناء العمل وفي المطبخ بل وفي غرف النوم. هذا الشعور دفعني إلى كتابة مقالين عن القراءة، لكن المقالين كشفا لي ضرورة الكتابة أكثر حول هذا الموضوع المهم، ومن ثم قررت لاحقًا الاستمرار. وعندما أنهيت كتابة عشرة مقالات انقدحت في ذهني فكرة مواصلة الكتابة حول موضوع القراءة حتى ألف مقال، أنهيت منها مئتين حتى الآن.
ما التحديات التي واجهتها في هذا الموضوع؟
التحدي الحقيقي هو الالتزام بالكتابة حول موضوع واحد، وهو ما كان يتطلب مني قراءات مكثفة حول كل عنوان؛ فكنت أحيانًا أقرأ عدة كتب حتى أوفي العنوان حقه؛ فمن ذلك مثلًا أني قرأت 400 صفحة من أجل كتابة 400 كلمة.
هل تمارس تمارين ذهنية قبل البدء بالكتابة؟
أفضل التمارين الذهنية للكتابة هي القراءة نفسها، التي يمكنها أن تفتح مغاليق الأذهان وتتغلب على ما يسمى الانسداد الكتابي. وأحيانًا يساعدني على البدء بالكتابة كوب من ”الشراب المغرور“؛ وهو القهوة.
في كتابك ”لياقة القراءة“ تعرضت لمفهوم اللياقة القرائية، هل لك أن تشرحه للقارئ؟
اللياقة القرائية هي قدرة أي شخص على أن يمسك بكتاب ويبدأ بالقراءة مع فهم معقول لما يقرأ ودون شعور بالملل. لكن كما أن الجسم يترهل إذا لم يمارس الرياضة أو إذا تركها، فكذلك الذهن يمكن أن يصاب بحالة من فقدان القدرة على القراءة أو الاستمرار فيها. ومن أجل العودة إليها لا بد من التدرج وعدم التعجل، وعدم قراءة الكتب الصعبة وغير المحببة للنفس؛ لأن ذلك قد يبعد القارئ عن القراءة نهائيًّا، كما قد يحدث لمن يشرع في ممارسة الرياضة بتمارين مجهدة فيصاب بشد عضلي أو تمزق في الأربطة فيترك الرياضة.
ما رأيك بمعدلات القرائية والمقروئية في الوطن العربي؛ أزادت أم قلَّت؟ وما الأسباب التي أدت إلى هذا؟
يمكن القول إنها ازدادت وقلَّت في آن؛ فقد ازداد ما يُقرأ من مواد، لكن القراءة البنّاءة قلَّت. فأنت قد ترى عددًا كبيرًا من الناس يحملقون في الأجهزة الذكية قارئين أو حتى كاتبين، لكنك حينما تمحص في ذلك تكتشف أنهم يقرؤون ما لا يضيف لهم شيئًا في عالم الفكر أو الثقافة أو حتى المعلومات العامة.
ومع ذلك فأنا متفائل جدًّا بأن حالة من التوازن سوف تحصل مستقبلًا تدفع الناس نحو القراءة الحقيقية المثمرة، وذلك حينما يكتشفون أن القراءة حاجة وليست مجرد هواية، وأنها حياة للشعوب والأفراد.
ما هي طقوسك في القراءة والكتابة؟
من غرائب طقوسي أنها تتغير مع مرور الوقت، فلكل فترة طقوسها. وحاليًّا مثلًا أعشق القراءة والكتابة قبل طلوع الفجر حتى قرابة العاشرة صباحًا. وعندما أكتب فإنني أكتب في عدة مقالات في وقت واحد، وعندما أصاب بانسداد كتابي في أحدها أنتقل إلى آخر؛ وذلك من أجل ألا أتوقف عن الكتابة. كذلك فإنني - عند شعوري بتعب أو نعاس - أبادر إلى غسل رأسي بالكامل بماء معتدل البرودة، وهو ما ينعش في دواخلي جميع محفزات الكتابة، ويحفز جميع أعصاب المخيخ في رأسي.
ماذا كنت تعني بالقراءة الزرقاء التي كتبت عنها في كتابك ”نحو لياقة قرائية“؟
عند استخدام الأجهزة الذكية تطلق نوعًا من الإضاءة يساعد على قراءة الشاشات بشكل أسهل خلال النهار حتى تحت ضوء الشمس، وهذا يسمى الضوء الأزرق، وهو ضوء مهم جدًّا لنا في النهار، إذ يزيد من حالة الانتباه ويساعد في تنظيم الساعة البيولوجية، لكنه يربك المخ ويقلل من القدرة على النوم. وحتى لا يكون عنوانًا تقليديًّا كالضوء الأزرق، جعلته: «القراءة الزرقاء».
ما بين كتابك الأول وإصدارك الأخير مشروع أدبي وثقافي، هل تشرح لنا معالمه؟
أصنف نفسي من ضمن الكُتَّاب الذي يلومون أنفسهم عندما لا يحظى أحد مقالاتهم أو كتبهم بعدد مناسب من القراء. ولذلك بعد أن كتبت بعض الدراسات والأبحاث المطولة، تحولت إلى كتابة المقالات القصيرة التي قد لا تستغرق قراءة أحدها أكثر من ثلاث دقائق، وهو ما يتناسب مع مزاج الجيل الجديد الذي يميل إلى كل ما هو سريع في مختلف جوانب حياته، ومنها القراءة، بل حتى إلى ما يسمى ثقافة الصورة والفيلم القصير.
كيف تشكلت ذائقتك الإبداعية؟ وما أول جملة صنعت منك كاتبًا؟
لوالدي دور مهم في تعلقي بعالم القراءة والكتابة؛ فعلى الرغم من أنه - يرحمه الله - كان يقرأ بصعوبة، فقد كان يقتني الكتب ويقرؤها، أو يطلب مني قراءتها له منذ طفولتي، وكنت أقرؤها له رغم عدم فهمي لها. وكان يأخذني إلى إحدى المكتبات العامة القريبة من محل عمله، وقد ساهم كل هذا في ترسيخ علاقة وثيقة بيني وبين الكتب لم تنفصم عراها منذ طفولتي حتى اليوم.
ومن أفضل العبارات التي ساهمت في استمراريتي في عالم الكتابة هي الجملة القائلة: إما أن تكتب شيئًا يستحق القراءة أو أن تفعل شيئًا يستحق الكتابة.
هل تؤثر فينا أشهر جمل الكتب التي نقرؤها؟
لا يمكن تخيل تأثير هذه الجمل فينا سلبًا أو إيجابًا؛ فمن جانب يمكن أن تكون مدمرة بعد أن تحفر جراحًا غائرة في نفوسنا، كما قال أحدهم:
جراحات السنان لها التئام * ولا يلتام ما جرح اللسان
كما يمكن أن يكون لها أثر بنّاء يشبه تأثير هرمون الأندروفين الذي يساعد على تخفيف الألم، أو كما تحدث عنه سيغموند فرويد حين قال: لم ينتج العلم الحديث حتى الآن دواء مطمئنًا بنفس فعالية بعض الكلمات الرقيقة.
معظمنا يحلم أن يكون روائيًّا، فكيف ولماذا غردت خارج السرب واتجهت للكتابة الناجزة والمضامين العلمية؟
الكتابة هي موهبة من جهة، وهي ما يفيض من كأس القراءة من جهة ثانية، فربما نشأ ذلك الاتجاه لدي لأنني قرأت في هذه الجوانب أكثر مما قرأت من الروايات. وإلى اليوم فإني لا أجدني قارئًا نهمًا للروايات، حيث أقرأ منها ما أعلم أنه مهم ومفيد.
ما هي نصائحك للشباب لتشجيعهم على القراءة؟
نحن بحاجة إلى منظومة قوانين لتشجيع الشباب على القراءة ولا يكفي الجهد الشخصي، كما أننا ينبغي أن نوجه النصيحة بداية للكُتّاب الذين عليهم أن يعدلوا من نوعية وجودة كتاباتهم حتى تحوز رضا الشباب قبل أن نطلب من الشباب أن يقرؤوا. فكما قالت الروائية البريطانية ج. ك. رولينغ: ”إذا كنْتَ لا تحبّ القِراءة فأنتَ لَم تجِد الكتَاب المُناسب بعْد“. وحينما يلمس الشباب نماذج قرائية وكتابية عربية ناجحة فإن من شأن ذلك أن يدفعهم إلى عالم الكتب والقراءة. وكذلك فإن زيادة أعداد المكتبات العامة في كل مدينة وكل حي، مع تفعيل وتنويع البرامج بها سوف يدفع الناس أكثر نحو القراءة.
حدثنا عن كتابك ”طريق الحوار“.
هو عبارة عن سلسلة مقالات تتحدث عن مفهوم الحوار على الصعيد الشخصي والاجتماعي والوطني والديني، وأهمية كل ذلك، وأساليبه وأنماطه ومعوقاته، وذلك بأسلوب سهل يراعي مختلف المستويات.
هل تعتقد أن مجموعات الفيسبوك المشجعة على القراءة لها أهمية كبيرة؟
لها أهمية في بعض البلدان التي ينتشر فيها استخدام الفيسبوك، لكنها قد تكون سلاحًا ذا حدين، وذلك حينما ينساق متصفح الفيسبوك مع صفحاته، ويتنقل من صفحة لأخرى ومن حساب لآخر، وتنقضي الدقائق والساعات وقد ينسى في النهاية سبب دخوله لصفحة الفيسبوك التي يفترض أنها تشجعه على القراءة.
كيف تصف ورش الكتابة الحالية؟ وهل الكتابة موهبة ومهارة وعطاء رباني أم يمكن اكتسابها بالتدريب والتعلم؟
أعتقد أن الكتابة موهبة تساهم في تنميتها الظروف والبيئة التي يعيش فيها الكاتب في طفولته وصباه ثم شبابه، ويمكن صقلها وتنميتها مع الوقت. ويمكن لورش عمل مخطط لها ومزودة بوسائل إلكترونية حديثة مع كُتّاب أو مدربين ذوي كفاءات، يمكن لها أن تسهم إلى حد بعيد في خلق كُتّاب متميزين إن توفر الإصرار والعزيمة اللازمان لذلك.
كيف تصف دور اليوتيوبرز الجدد في تلخيص الكتب والروايات؟
جميل جدًّا أن تُعرَض الكتب بمختلف الطرق؛ فالبعض يقرؤها كليًّا، وآخرون يقرؤون ملخصاتها، وصنف ثالث يستمع إليها مسجلة بواسطة بعض التطبيقات، ورابع يشاهد هذه الملخصات على اليوتيوب. ولا يمكن أن نتوقع من جميع الناس أن يقرؤوا كتبًا ورقية. الأهم أن تصل المعرفة إلى الجميع كل حسب قدراته وإمكاناته، وما يتاح له من وقت لذلك. لكن عندما يتاح للمرء الوقت للقراءة الحرة، ورقية كانت أو إلكترونية، فهي أفضل بكثير من مجرد مشاهدة عروض اليوتيوب.
هل أثرت التكنولوجيا الحديثة في المشهد الأدبي أم أضاعت وقت الشباب؟
إن كان المقصود بالتكنولوجيا في السؤال وسائل التواصل الاجتماعي فقد ساهمت هذه الوسائل في كسر احتكار الإعلام، وأصبح بإمكان أي شخص أن يكتب وأن ينشر نتاجه على أوسع نطاق بغض النظر عن مستواه الأدبي، حتى وصلنا إلى مرحلة لم تعد المشكلة فيها قلة المعروض من المعلومات أو المواد المنشورة، بل كيف نغربلها ونستل منها ما هو مفيد بالفعل. من جانب آخر فإن القارئ المستخدم لهذه الوسائل أصبح يعيش حالة أسميتها في أحد كتبي ب ”التشتيت الإلكتروني“. وهي الحالة التي تصيب متصفح الشبكة العنكبوتية حينما يحاول القراءة حول موضوع معين فيجد نفسه بعد مدة انتقل إلى مواضيع أخرى بعيدة عن الموضوع الذي بدأ به، وذلك بسبب الروابط الإلكترونية التي ينقر عليها للحصول على معلومات أكثر عن نقطة معينة.
لديك تجربة ثقافية عميقة بالقراءة الموسوعية وكيفية النهل من روافد متعددة، اذكرها لنا باستفاضة لو سمحت.
كان للظروف التي مررت بها دور مهم في حبي للقراءة ثم تحولي للكتابة.. فقد كان والدي - رحمه الله - محبًّا للقراءة، رغم أنه لم ينل من التعليم سوى نصيب ضئيل للغاية، وقد شجعني بالفعل على القراءة. وقد عمق من حبي لعالم الكتب والقراءة وجود مكتبة عامة مقابل منجرة الأسرة، هي المكتبة القطرية، كان والدي يأخذني إليها، حيث كان يصيبني الانبهار من العدد الكبير من الكتب. يضاف إلى ذلك كله وجود ثلاث مكتبات لبيع الكتب قرب بيت الأسرة، وكنت أمرُّ عليها عدة مرات كل يوم في ذهابي وإيابي من المدرسة.
وهكذا، ونتيجة للعلاقة المبكرة بالكتب تعمقت علاقتي بالقراءة، وكان لا بد للكأس أن تفيض، وأن أبدأ بالكتابة؛ فبدأت بكتابة يومياتي الشخصية في المرحلة المتوسطة، إضافة إلى كتابات أخرى تطورت مع الوقت لتتحول إلى خواطر في المرحلة الجامعية مع محاولات نشر ومراسلات مع مجلات عربية. وبعد التخرج بدأت الكتابة الحقيقية بكتابة مقالات ودراسات متنوعة في حقول التاريخ والسياسة والمعلوماتية، إضافة إلى كتابة تقارير إخبارية حول الحاسب والإنترنت مع جريدة الرياض، ثم كتابة مقالات مع عدة صحف ومجلات، منها جريدة اليوم وعكاظ والحياة والوسط البحرينية والدار الكويتية، وأخيرًا مع مجلة اليمامة السعودية، مرورًا بعدد من الصحف الإلكترونية. وطوال مسيرة حياتي لم أبتعد عن القراءة إلا فترات قصيرة كنت خلالها منشغلًا ببعض هموم الحياة اليومية.