آخر تحديث: 29 / 4 / 2024م - 1:36 م

مراجعة كتاب ”اختطاف الهوية“

جهات الإخبارية مراجعة/ ألباب الخليفة

مقدمة

”اختطاف الهوية“ كتاب يمس ظاهرة الهوية والدفاع عنها، أمام سعة الواقع الاجتماعي ووسائل تواصله بما هي حقيقية وافتراضية، سلبت إمكانية تحديدها والإلمام بها بصورة شاملة، مثلما يتبين في العنوان. في عصر الثورة التكنولوجية والرقمية تغيّر مفهوم المعرفة بما هي علوم وتخصصات لازمت وجودنا الإنساني التقليدي القديم، لتغطي كل البنى والأنظمة المحيطة بالعالم كبرت أو صغرت، كل هذا الكم المعلوماتي، يصعب أن يتحرر من تأثير قوتها وسلطتها، الأبناء الذين هم في سن التشكيل والبناء، خاصة إذا وقعوا وبوصفهم مغتربين في فخاخ مؤسسات وهيئات تتبنّى فرض إرادتها وفوقيتها وفق آليات متشعبة المسالك صًنعت بمهارة لتدمير الهويات والمصائر، يتصدى الكتاب الصادر حديثاً للمؤلف ”سامي السلطان“، لمعالجتها ولا يفوته الإمساك بخيوط الإشكالية المعقدة، وما يكتنفها من تداخل العوامل والفواعل، تقديم حلول ناجعة تُسكِّن هاجس المتلقي المعني، ونتائج معمّقة ملحوظة تلبّي حاجته، وتسعفه لاستئناف وضعية القيام.

الكتاب المطبوع في الدمام، عام 1444 هـ - 2023 م، المكون من مقدمة وسبعة فصول وخاتمة، في عدد صفحات بلغت 175، تنبع أهميته من تعزيزه بالإحصائيات والتقارير الصادرة عن مراكز البحوث والمنظمات الأمريكية، محور وموضوع الكتاب الذي جاء ليفكك أسطورة المنظمات الغربية وبريقها المراوغ، مستوعباً باقتدار لمقولاتها وآليات عملها في تحجيم العقول، ولأنه ينطلق من فهم سليم ومعايشة للبيئة المحلية والدينية المستهدفة، يمكن تصنيفه في حقل القوة الناعمة، ومشاريعها ودوافعها بما هي هزات وكوارث قوامها الكذب والزيف والقسر المبطن لا تفتأ - ولمنزعها التآمري - تبيتها وتحدثها في الجسد الإسلامي.

تعرض المؤلف في الفصل الأول المعنون بـ ”المنظمات المدمرة“ للمؤسسات ذات النشاط الجمعي التي يكون منبعها الحاضن ومنشؤها الولايات المتحدة الأمريكية، - المُضلَّلة بقصدية - بمشاريع يُستغفل فيها المدعوون، تُوجَّه لأجل النفوذ والمال والجنس، وضخامة عددها يربو عن الخمسة آلاف؛ لتغطي المجالات كافة، أي كل ما يقع في دائرة الاهتمامات الإنسانية: ما هو ديني، كمنظمة كنسية التوحيد، وسياسي كاتحاد السلام العالمي، وتربوي باسم مؤسسات المجتمع المدني، وتجاري وريادة أعمال، على غرار الجوكر وغيرها مما يستجد، تخضع عناصرها وباستمرارية للتأهيل الثقافي وقياس فعاليتهم في الولاء، وجلب الأعضاء، ورفع التقريرات الدورية، ولها نشاطات وأذرع تتكثف في الدعوة واستقطاب المغتربين؛ لجسامة ما يختفي وراءها من تداعيات تحصيلية وقيمية على الأبناء، خطرة، وباعتبار إخضاعها المنتمين لها لشروطها، فاستراتيجياتها المؤدلجة لا تخلو عن أربعة محددات: قيادة هرمية مهيمنة تقصي الشركاء لتستفرد بالقرار وتتولى عملية الاختيار ورسم مصيرهم في أي خطوة تخصهم، وتعلله بناء على ادعاءاتها المزعومة في ميلهم كنخبة إدارية لاختيار الأنسب في تقدير الموقف، وتتعالى عمن هم خارج المنظمة بوصفهم غير مسؤولين وأتباع الشياطين، والخداع، بحجب هويتها خلف مؤسسات بديلة، وتغييب العقل، لإحلال شخصية جديدة منفصلة ومنفصمة تماماً في أبعادها عن الشخصية الأصلية.

ويرى أن التفكك العائلي، وجهل الأبناء وجهلهم بماهية أهداف المنظمات، وسطحية اهتماماتهم، وإدمانهم مواقع التواصل الذي يعوق ويحجم النضج العقلي، والدونية والتبعية للغربي، والانهزام النفسي، والعولمة، والتشكيك المدفوع الأجر فيما تضطلع به المنظمة كمنهج يبث الزيف والخوف، فتتخاطفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتجندهم، وذلك من أسباب انتشار المنظمات. فتتوافق العائلة لتقدم أبنائها كوجبة فورية، تكتوي بنار المنظمات الرابحة، لتيسر عملها من حيث لا تحتسب، تهيئ لها العوامل: إذ تمنح الأبناء الثقة المطلقة، والجزم بعدم انحرافهم، تنفيذ طلباتهم وإن تعقدت أو شذت، إهمال ما يطرأ عليهم من تغييرات عقائدية وفكرية لتمر دون نقاش، وفي الوقت ذاته ينحازون للصمت والإنكار والكتمان مع الوالدين استجابة لتحذير المنظمات لهم من اللجوء للأهل، اتخاذ الموقف التبريري، والتبرئة تجاه الأبناء، وعلى مستوى السلوك والغفلة عن تغير هيأتهم وهجران المساجد والأرحام والأصدقاء وتفضيل الانعزال داخل الغرف المغلقة، تصدع دور البيت الوظيفي ليضحى مكانا باردا تغيب عنه اللقاءات والأحاديث المشتركة، لا يتجاوز النوم وتناول الطعام فرادى، التربية الاتكالية نتيجة عدم تكليفهم بعمل، فقدان الانتماء والتعاطف وقوة الرأي لانحسار المجالس العائلية، عدم إدراك الوالدين وتيقظهما لوجود منظمات تتواطأ في مشاريع مشبوهة، ترك السلوك الخاطئ لبساطته ليمضي لتحاذيه مشاهد من الأخطاء تتطور وتتعمق بلا هدى، كما أعرب المؤلف.

وفي الفصل الثاني الذي حمل عنوان ”مبادئ التأثير المدمر“ تناول أربعة نماذج ومداخل مرجعية هامة تتمحور حول التأثير الاجتماعي تقبع في صميم عمل ومخطط المنظمات التدميرية، لخطف الذات الفردية والتلاعب بمكوناتها الأولية، لصالح رؤاها ومبتنياتها، من خلال الإحالة إلى معطى ”التنافر المعرفي“ مثلاً، لتعديل وضبط التغيير المرغوب على مستويات المعرفة والعاطفة والسلوك، أو بالاستناد إلى مقومات نظرية ”Llifton“ في، ”إدارة ومراقبة البيئة الشخصية للفرد، التلاعب الروحاني، السعي نحو التطهر، الاعتراف بالذنوب، الإيمان بالعلم المقدس، استخدام لغة غير ذات معنى، تقديم العقيدة على الذات، الزهد بوجود الآخرين“ حتى تستوي هذه الصناعة البشرية بحذاقة وتتمكن من الأبناء دون مقاومة أو إشكال، لأنها تغتني وبرويّة من الطريق العلمي وإسهاماته في هذا المضمار.

كما عرج في الفصل الثالث منه ”أساليب المنظمات في التأثير“ على كيفية امتهان واستحضار ما تعزو إليه المرحلة الحرجة للأبناء وقابلياتهم للتأثر الماثلة في: الغربة الخانقة وظروف الفقر الصعبة والتعثر الدراسي والمهني والعلاقات العاطفية الفاشلة، ما يجعلهم فريسة لينة لأي نوع من المصائد، وباختلاف تنوع المنظمات الصائدة ومرتكزاتها، سواء في التوظيفات الأيديولوجية للصفات الشخصية، التي تنكص به للطفولة المبكرة وملازماتها كي تشوه هذا الوعي في تفاعلاته معه ومصادرة انتمائه العائلي ويأسه من والديه وتجريم مواقفهما ودورهما زورا وبهتانا لكسب ولائه الأوحد نحو المنظمة، أو من يروم المثالية تبادر لإظهار حسنات وسلام مبادئ المنظمة أمامه، أو الذين لديهم ميل للتدين تغرس فيهم شعارات الإيمان بالرب الحق، ومن يميلون لنصرة الرب تبين لهم أنهم وبالانتماء للمنظمة يلعبون دور جنود الرب، لإضعاف خياراتهم واصطفائهم كأسراء مشلولين ومفتونين وعبيدا خلف تيار المنظمات. أو بالاستعانة بأنماط واتجاهات الآخرين، الاتجاه العقلي، العاطفي، العملي، والروحاني، فيما يتمثله العضو كي تعيد ضبط تعالقه بين فكره وواقعه بعد الانتماء.

وتحدث بإسهاب عن أساليبها في كسب الأعضاء، والتي تتم بوابل هجومي منظم في حفلات الشاي والحلوى وتنهال عليهم الدعوات لحضور ورش عمل بحجج مزيفة، ودراسة مستوفية لأوضاعهم ولقاءات مع مسؤولين وأخصائيين نفسيين تتراوح في عملها بين الجماعي عبر طرق التنويم، والاسترخاء العضلي، التنفس العميق، الصلاة، التصور أو التخيل الموجه، التأمل الموجه، أو الفردي يستهدفون نقاط الضعف عند الضحية، وتفعيل الدوافع الشخصية عند الضحية، وممارسة الضغط لإلزامه بأفكار المنظمة، وإدارة ومراقبة البيئة المناسبة للضحية، ونزع الثقة عن أهله وأصدقائه، وتحجيم الضحية بعد انتمائه، ونزع قدرته على اتخاذ القرارات، والخداع في الكلام والتهرب، وصناعة الخوف عنده لضمان تبعيته للمجموعة، والإيحاء للضحية بكونه ناضجا وراشدا، ومحصنا فطنا.

وعن طرقهم في اختطاف القلب، عبر الثناء والمدح والاحتفاء المبالغ بالأبناء، وإظهار تميزهم، مقابل وجودهم عند عوائلهم الأصلية، التي كانوا فيها محلاً للإهانة والضرب والوحدة، وتلقينه بنضجه واستقلاله، بدينه وفكره، كما تبث الرهاب والخوف فتروج لهم أفكار الموت أو المرض أو التعرض للحوادث السيئة فيما لو فكروا بالانفصال عنها، والنظر للأهل والأصدقاء كتعبير عياني جلي للشر، فلا ينشغلون بهم، ولا يسمحون بمناقشة عقائدهم الجديدة من أي طرف، وتحذرهم من التعامل خارج المجموعة، أما عن طرقهم في اختطاف العقل، فتتم في أربع مراحل، مرحلة التشكيك وتذويب الأسس، مرحلة التغيير، مرحلة تثبيت وحماية التغيير، فصلها المؤلف، وأضاف شارحاً أهم التقنيات النفسية لعرض الأفكار، كالتذكير بالماضي، التعميم، إخماد السموم، لوم الذات، الإنكار، التبرير، الانتقاء، القطبية الثنائية، الحكم من واقع شخصي، قراءة الأفكار، مغالطات السيطرة، الحكم بالحدس والمشاعر، يتأتى ذلك العمل وفق ترتيبات ومنهجية: الاستدراج، وصناعة اليأس، وصناعة الغيبوبة، وصناعة المصيدة، وحول إدارة السلوك يحاولون كسب ثقة الأبناء عبر تقديم الخدمات لهم عبر تمارين تقنيات علم النفس للمجموعات، وحث الابن على زيارة العيادات، شيطنة الأهل والأصدقاء وطلب التخلي عنهم واستغلال المشاكل السابقة لتضخيمها وعدم نسيانها، والالتحاق بعائلته الروحية الجديدة والتواصل المستمر معهم وطلب مشورتهم ومنافسة ومطابقة تصرفاتهم، ورفع التقارير اليومية لرئيس المجموعة، ورفض الشخصية الحقيقة، وفي إدارة بيئة الأبناء: يختارون له عملا وسكنا وشريكا يقتدي به يؤدي دور الرقيب ليمنع عنه أي اتصال مزعج بذويه، واقتراح نوعية لباس متلائمة مع الموضة، تدريبه لتغيير شدة ودرجة صوته، وتغيير اسمه، دفعه للمشاركة بالأنشطة التطوعية، إدارة وقته وتحديد مواعيده وإجازاته، التحكم في السفر لزيارة الأهل، وفي حالات الزواج أو الانفصال، ويطلب من الأبناء حضور دروس في إعادة تلقين العقيدة.

الفصل الرابع بعنوان ”نتائج التأثير“ حاول المؤلف مناقشة الصفات الفكرية والسلوكية المأسوف عليها التي سيكتسبها الأبناء المغرر بهم، ومنها قطع الصلة بالوالدين والأرحام والوطن، والخوف من الحوار والنقاش الحر، وتبني فكرة الحرية ونبذ معتقدات الأبوين، فيما يخص الدين والحجاب، ويطرح المؤلف في هذه الجزئية تفسيرات وأجوبة موجهة للأبناء عن شبهاتهم وإشكالاتهم واتهاماتهم عن طبيعة فكرة الحرية وغيرها.

وتعتبر الفصول التي تليها، منجز هام للغاية كونها تتعامل وتطرح الحلول الإصلاحية متكئة على التأسيسات والمرجعيات الدينية وحقل علم النفس التربوي، كمنطلق في التحليل والمعالجة، وبعد ابتلاء المجتمعات العربية والإسلامية، بهذه الآفات، والأسر حين تُسرق أبناؤها وتُصاب في فلذات أكبادها فهل التخلي أم التحدي هو الخيار الأفضل والأصعب! ولكونها تنويراً ثقافياً وخططا عملية للجماهير الواسعة من الأبناء والآباء الواقعين في عمق تلك الأزمات، أو ممن يريدون تلافي وصيانة أفراد أسرهم كتدبير مستقبلي وقائي من مهددات الاستلاب الغربي العالمي، الذي يعيث بمؤسساته المؤدلجة فساداً شمولياً بقطع النظر عن الفئات والطبقات والشعوب:

- الفصل الخامس ”التعامل مع الشخصية الجديدة“

- الفصل السادس ”في الإقناع والتأثير“

- الفصل السابع ”دعم الوالدين والأبناء“.

نترك للقارئ الكريم التزود من هذا السِفر المتطوِّر في أطروحته، والعمل الفكري المتجدد في زاوية رؤيته، والإبحار في ضوئه قراءةً وتشاركاً لمقاصده، بوصفه حامل همه وهمنا جميعاً، أليس الأمل والنضال المستميت، من سمات المثقف المؤمن وفحوى تفاعله الوجودي.